مقالات

سياسة الصبيان وسوء تدبيرهم

نور الدين الغيلوفي

أطفال يتنافسون مصير البلاد
تدوينة عن التحوير الوزاريّ

في البدء.. هذا تحوير وزاري هو من حقّ رئيس الحكومة وفق ما ينصّ عليه دستور البلاد.. يأتي هذا التحوير في سياق بحث يوسف الشاهد عن سبيل إلى حلحلة الأوضاع والخروج من حالة الانسداد التي تشهدها بلادنا بسبب عجز الحكومات المتتالية غيرَ بعيد عن صراعاتنا الصبيانية التي لا تنتهي وعن تهارشنا الذي لا يعني شيئا سوى ولعنا بالصراخ وعجزنا عن الفعل وغرقنا في اللاجدوى..

ولرئيس الحكومة حرية اختيار طاقمه الحكومي الذي سيعبر به المرحلة اللاحقة أو هكذا يدّعي.. وقد يكون في ذلك مخطئا وقد يكون مصيبا.. وللبرلمان أن يسائله وأن يتّخذ بشأنه ما يريد وأن يعترض على الوزير الذي لا يرى في ترشيحه فائدة للبلاد.. ألسنا في دولة ديمقراطية تخضع فيها السياسة لقوانين مضبوطة و لتراتيب معلومة؟
فلا معنى إذن لمطاردة هذا الاسم أو ذاك أو رفض التحوير الوزاريّ دفعة واحدة بحجةّ أو بأخرى.. هذا كلام فارغ لا معنى له ولا وزن لأصحابه.. ولا فائدة من العودة بتصريحاتنا إلى لحظات صبيانية قديمة يُفترض أنّنا قد بلغنا درجة من النضج جعلتنا نتجاوزها.. لقد تعبنا من سجالات لا تريد أن تنتهيَ…

• هذا الوزير صهيوني لأنّه يهودي.. بل صهيوني نهضاوي في الآن ذاته عند بعض الذين بلغ بهم كرههم للنهضة أن جعلوها صهيونية بلا حجّة و لا دليل.. هذا وصف سخيف يصدر عن أناس موتورين لا يليقون بالخطاب السياسي ولا يصلح لهم.. هؤلاء أنفسهم هم أنصار المدنية الذين كانوا بالأمس يدافعون عن المواطَنة وعن المساواة بين المواطنين وعدم ردّهم إلى انتماءاتهم الأخرى..

• هذا الوزير كان له تاريخ في حزب التجمّع الحاكم قبل الثورة.. وذلك من نواقض القبول به وزيرا.. كأنّ كثيرا من نشطاء السياسة والنقابة والثقافة والإعلام الذين يخيّمون على المشهد هم من صنّاع الثورة ومهندسي المدن الفاضلة…

• هذه حكومة نهضوية لا نريدها.. كأنّه ليس من حقّ حركة النهضة أن تشكّل حكومة حتّى وهي صاحبة الأغلبية في البرلمان.. أليس أنّ النهضة قد بلغت ما بلغت من الظهور بفضل انتخاب الناس لمرشَّحيها؟ أوليس من الأفضل لهؤلاء أن يجتهدوا في إقناع الناس بطروحاتهم الفكرية والسياسية حتّى يتحوّلوا عن النهضة إليهم بدل أن يحوّلوا مجالنا إلى منابر للندب والنواح؟
والمضحك أنّ هذا الكلام يصدر من سياسيين لا وزن لهم في الساحة ولا يعرفهم أحد إلّا من خلال الشاشات بعد تثبّت طويل وجهد جهيد في وصل صورهم بأسمائهم يؤازرهم إعلاميون لا وظيفة لهم إلّا أكل الخبز بصور لا تليق وأصوات لا تقنع…

• اتّحاد الشغل يحتجّ على عدم استشارته في اختيار الوزراء في صَلَف عجيب لا يخضع لمنطق ولا يحتكم إلى عقل.. ألأنّكم قوّة وازنة في البلاد تريدون التحكّم في كلّ شيء والاستيلاء على صلاحيات غيركم؟ هل نسمح للمنظّمات المدنية الكبرى وللمؤسسات القويّة الأخرى بأن تحشر أنوفها في وعاء السياسة كما تفعلون؟ إنّ القبول بأن تخلطوا عملكم النقابي بالسياسة تحت إكراه ما تمليه موازين القوى لا يعني تجاوزكم حدودكم والتحكّم في كلّ شاردة وواردة.. وقتها سيكون شأنكم كشأن أي انقلابيّ عسكريّ يختطف البلاد بالقوّة ويؤمّم كلّ شيء ويوزّع مقدّراتها بين أعوانه…

نحن مع سياسة راشدة تستهدف الخروج بالبلاد من مآزقها.. تتمكّن من تجاوز الصعوبات وبناء الإنجازات والخروج بالناس من الضيق إلى السعة ومن النكد إلى الحياة الكريمة.. ولكنّ ذلك يظلّ مطلبا مستعصيا ما دام إعلامنا هابطا وسياسيونا متصابين ونقابيونا أنانيين…

يبدو أن مشكلتنا تكمن في نفوسنا المعطوبة وعقولنا الكسولة وأخلاقنا المتهافتة.. نفضّل أن نقضيَ زمننا في الصراع الهامشيّ والعراك الجانبيّ والمناكفات والمناورات والمناوشات والتنابز على خفض الأجنحة وتنازل بعضنا لبعض وتجاوز أحدنا عن الآخر.. وذلك شرط المدنية.. أليس أنّ المدنيّة هي القبول بالاختلاف؟ أمّا نحن فكلّنا يتربّص بكلّنا حتّى حوّلنا الوطن إلى ساحة للتقاتل فسنحنا بغبائنا للإرهاب بأن يتسلّل إلى شوارعنا وسمحنا للعدوّ بأن يخترقنا إلى مخادعنا…
كم نحتاج من الوقت المهدور حتّى تنبت أرضنا نباتا غير نكِدٍ تزول به عنها السموم العالقة وينبت فيها من كلّ زوج بهيج؟

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock