مقالات

7 نوفمبر… تاريخ غير محايد في ذاكرة التونسيين

الأمين البوعزيزي

اليوم 7 نوفمبر… تاريخ غير محايد في ذاكرة التونسيين… يمكن تكثيفه في نقطتين:
– مجمل المشاريع الكبرى التي تفضحها ساعة مطر…
– جثمان معارض سياسي مدفون في إحدى أعمدة أحد المشاريع الضخمة المغشوشة المذكورة أعلاه…
(يمكن تفسير صمت صحفجيي سبعة نوفمبر إزاء جريمة تقطيع زميلهم الخاشقجي بمنشار داعش بن سعود؛ كون ربهم صانع جريمة سبعة نوفمبر له قصب السبق في الإجرام الداعشي وتفريخه في صفوف شباب تونس النوفمبرية).

فاصل شخصي يفسر مواقف اليوم:
نهار سبعة نوفمبر 1987 نتذكرو مليح… نهار سبت.. كنت تلميذ… ويومها عندنا إمتحان فلسفة… كنت عامها أحسب نفسي “ناضج سياسيا”… سبع سنوات من عمري مؤدلجا… أستاذي يومها في مادة الفلسفة خريج العراق… ظل محروما من جواز سفره حوالي عقدين… منذ يوم عودته من بغداد… كنا ساعتها صديقين… رغم فارق العمر والتجربة والأيديولوجيا ورغم كوني تلميذا وهو أستاذ…
سألته يومها تعليقا حول ما جرى… رأيت في عينيه فرحا غامرا… لا أحد إهتم لانقلاب الجنرال بنعلي… كان ضحايا بورقيبة منتشون بإزاحة من أعلن نفسه باي آخر لتونس مدى الحياة متناسيا أنه من أعلن النظام الجمهوري وازاحة نظام البايات!!!
كنت يومها لم أتحرر من أوهام البيان رقم واحد الحنجوري… فقط كان رفضي لبيان سبعة نوفمبر أنه لم يكن حنجوريا يعدنا بتحرير فلسطين وتوحيد أمة العرب المضطهدة -الجرحين النازفين لدى كل عربي سوي الشخصية-.
كشر بنعلي لاحقا عن أنيابه الفاشية والتهم كل من رأوا فيه مخلّصا من البطش البورقيبي؛ المتناسين أنه أحد “رجالات” بورقيبة لقمع كل عاشق لتونس على غير النهج البورقيبي!!!
زرت لاحقا أقطارا عربية حكمها البيان رقم واحد ووقفت على حجم الخراب المجتمعي الذي خلفته😥… ووقفت على حجم الإساءة إلى المشروع الذي حكمت بإسمه😥… كانت انعطافة جذرية في حياتي فكريا وسياسيا… لم يكن ذلك سهلا أبدا أبدا… كانت عملية جراحية بلا تخدير… ونجحت والحمد لله… كيف تحافظ على مبادئك والتخلص من الأساليب الفاشية… كيف تكون الأساليب من جنس الغايات عوضا عن افتراسها…
كان الانخراط بالاتحاد العام لطلبة تونس في خريف1995… الانخراط لاحقا في معارك الكفاح الديموقراطي… مقالات رأي في صحيفتي الموقف ومواطنون فضلا عن مواقع الإنترنت والفايسبوك لاحقا… إمضاء عرائض وطنية دفاعا عن معتقلي الرأي… حضور نشاطات الحزب الديموقراطي التقدمي بعنوان صديق الحزب دونما انخراط لالتزام أيديولوجي آخر… حضور نشاطات تحالف 18 أكتوبر وتحالف المواطنة والمساواة المتفاوتي سقف الاشتباك السياسي مع منظومة السابع الفاشي التابع… التفاعل الإيجابي مع مبادرة الشهيد محمد البراهمي والعميد بشير الصيد في تجميع الطيف الناصري تحت مسمى الوحدويون الناصريون… الاشتباك الإجتماعي بسقفيه البيروقراطي والراديكالي النقابي (اعتصامات ومسيرات غير مرخصة)؛ فضلا عن الإشتباك الثقافي وقراءات معرفية معمقة منفتحة على المدرسة الديكولونيالية… حتى كان سبعطاش ديسمبر المواطني الإجتماعي السيادي ردا على فاشية سبعة نوفمبر وعجز معارضاته عن لجمه…

ملاحظات عن سبعة نوفمبر بعد ثماني سنوات من طرد صانعه:
1. إنقلاب سبعة نوفمبر كان قرارا غربيا وصناعة مخابراتية إيطالية أساسا لإنقاذ النظام مما أطلقوا عليه خطر les pro khomainistes et les pro kaddafistes. لكنه كان في الحقيقة إنقلابا على نضالات النقابيين والسياسيين والصحفيين والحقوقيين والطلاب الذين راكموا نضالات وتضحيات في سبيل تونس أكثر حرية…
2. عشية سبعة نوفمبر كان “الدساترة” جثة هامدة عاجزة عن أي فعل سياسي -ولو كان الأمر مقتصرا فقط على الدفاع عن بورقيبة قي مواجهة الإذلال- فقد كانوا مجرد كتل بشرية مهمتها الهتاف “يحيا بورقيبة المجاهد الأكبر” فغيروا الشعار “بنعلي صانع التغيير”…
3. الذراع الأكثر إجراما في حق التونسيين زمن صانع جريمة السابع لم يكونوا النواة “الدستورية” في التجمع بل كانت ذراعا بوليسية يسارجية “طرابلسية” (عائلة زوجته ليلى).
4. خلال الثماني سنوات التي أعقبت سبعطاش ديسمبر كان القطيع التجمعي الأقل إساءة للثورة مقارنة بالأذرع النوفمبرية التجمعية الفعلية (البوليسية/ اليسارجية/ الإعلامجية خدم رأسمالية الحبايب اللصوصية)…

خلاصات ثماني سنوات دون سبعة نوفمبر:
أخطر من أساؤوا للثورة من صفوفها: معارضو بورقيبة/ بنعلي…. كانوا نسخا مشتقة منهما بمضامين أخرى…
ثماني سنوات من بناء الديموقراطية دون شروطها التاريخية التي لن تتكرر… ثماني سنوات من معركة بناء الديموقراطية دون ديمقراطيين…
لمن يريد أن يقف على ثمرات البناء الديموقراطي في تونس؛ عليه أن يتأمل وزارة الداخلية وتوسع مساحة الأمن الجمهوري على حساب بوليس التعليمات الفاشي المستعد لحرق البلد لاستعادة ما لن يستعاد…
لمن يريد أن يقف على ثمرات البناء الديموقراطي في تونس عليه أن يتأمل انفلاق صفوف عصابة السراق إلى “أحزاب” فاشلة في التوحد على قاعدة إستعادة القمع والترويع…
لمن يريد أن يقف على ثمرات البناء الديموقراطي في تونس عليه أن يتأمل في توسع صفوف المتمسكين بفضاء عام ديموقراطي…
صحيح أن خيار دولة المواطنين الإجتماعية السيادية الذي هجست به ملحمة سبعطاش عجز عن فرض نفسه خيارا ناجزا (لأسباب يطول شرحها…)؛ فقط لا تنسوا أن تونس قبل سبعطاش ديسمبر لم تكن مواطنية ولا إجتماعية ولا سيادية… بل كانت ديكتاتورية فاشية تابعة عميلة…
الديموقراطية ليست عنوان عدل إجتماعي وسيادة وطنية لكنها #شرط_ذلك… لا تنسوا أن أبشع الديكتاتوريات فرضت نفسها أيضا بإسم الخبز والمووومانعة… والمآلات تطبيع وسوق متوحش وعسكرتاجيا فاشية إبادية!!!

••• كل عام وأنتم على درب دولة المواطنين الإجتماعية السيادية… نبنيها حجرا حجرا… والدوام ينقب رخام الاستبداد…

✍الأمين.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock