تدوينات تونسية

التّاريخ لا يمنح الأغبياء أكثر من فرصة واحدة

عبد اللطيف علوي
ما حدث منذ انتخابات 2014 إلى اليوم، يجب أن يدرّس في أعتى كلّيّات العلوم السّياسيّة في العالم وليس في تونس وحدها. كيف استطاعت النّهضة أن تدمّر تلك الشّبكة القاتلة بكثير من الصّبر والدّهاء والانتظار، كيف بدأت بكسر التّحالفات الّتي بناها نداء تونس مع الجبهة وحثالة البورقيبيّة والعلمانيّة الفاشيّة، ثمّ انتقلت إلى مرحلة تفجير النّداء نفسه، مثل الصّخرة الكبيرة الّتي تغلق الطّريق، ظلّت تعالجها بالمطرقة من الأطراف، فتتطاير الحواشي وتتفتّت ثمّ حين لم يبق سوى النّواة الدّاخليّة الصّلبة، صارت ضربة واحدة واثقة وشديدة التّركيز كفيلة بشطرها نهائيّا بشكل لا يمكن التحامه فيما بعد، وهو ما حدث مع أزمة الشّاهد وحافظ، ذلك الصّراع الّذي أدّى إلى لحظة الانشطار الكامل لصخرة المنظومة القديمة، وفتح باب الأمل مجدّدا في أن تعود قوى الثّورة إلى الصّفّ الأوّل مجدّدا، وتقود السّفينة في الانتخابات القادمة بإذن الله.
ما حدث طيلة الفترة السّابقة هو معركة كسر عظم من نوع آخر، حرب حقيقيّة بلا أسلحة وبلا متفجّرات وبلا قتلى وبلا حرائق أو دخان، حرب خاضتها النّهضة بمفردها في مواجهة جيش تحالف فيه الجميع، بمن فيهم رفاق الأمس وشركاء المصير.
لم يعد السّؤال الآن ما هو خطر المنظومة القديمة على الثّورة، أصبح السّؤال الآن ما هو خطر الأبناء المفترضين للثّورة على الثّورة؟
ماذا لو لم يفجّر زعماء الموز حزبا كبيرا فاعلا بحجم المؤتمر؟
ماذا لو لم يسخّر زعماء اليسار ظهورهم ليركبهم النّداء ويعود على جثث الشّهداء ولحم الجياع؟
ماذا لو لم يكن مثقّفو الجامات مجرّد قنابل صوتيّة فارغة لا تثير سوى الدّخان؟
ماذا لو لم تكن جراحات الأصدقاء وانشغال البعض منهم بحروب القبائل الّتي لا تنتهي؟ أما كان يمكن أن تدفن منظومة الفساد والاستبداد إلى الأبد، وبأقلّ التكاليف؟
لماذا ضيّعتم علينا سنوات طويلة من عمر الثّورة؟ وكرّهتم فيها النّاس وأفرغتم بطونهم وجيوبهم فانقلبوا عليكم؟
حان الوقت لكلّ من حاربوا النّهضة في علاقتها بالثّورة وبالنّداء كي يستخلصوا الدّرس الحقيقي…
لقد كنتم خنجرا في خاصرة الثّورة أكثر من النّداء نفسه.
هذه لحظة أخرى فارقة في تاريخ الثورة، إذا لم تستطع القوى الثورية اغتنامها والبناء عليها من أجل القضاء نهائيّا على منظومة الدولة الفاسدة البورقيبنعليّة، فلا أعتقد أنّ التّاريخ يمكن أن يمنح الأغبياء أكثر من فرصة واحدة.
#عبد_اللطيف_علوي

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock