تدوينات تونسية

انتهى عصر الشّعوب

عبد اللطيف علوي
خطاب الثّورجوت في نقد النّهضة، يركّز دائما على كونها أجرمت بتحالفها مع التّجمّع، وكان بإمكانها البقاء في المعارضة والاحتماء بالشّعب والاستعانة به لقلب الأوضاع في الشّارع…
بقطع النّظر عن كون هذه الشّعوب مرهقة ومستنزفة وسهلة التضليل وسريعة التّبريد ومخنوقة بالكامل بشؤونها اليومية الصّغرى، وبالتالي لن تجيبك إذا استصرختها (والمناسبات بينت ذلك، آخرها مظاهرة بالعشرات أمام هيئة الحقيقة والكرامة…).
قلت إنّه بقطع النّظر عن كلّ ذلك، هناك حقيقة لم ينتبه إليها الكثيرون وقصّر في قراءتها وتحليلها حتّى المختصّون،
مذبحة رابعة العدوية أعلنت عن نهاية عصر الشّعوب، ودخولنا في عصر آخر جديد…
قبل رابعة، وحتّى في زمن الديكتاتورية، كان هناك سقف محدّد للقمع لا يسمح الغرب بتجاوزه، بحكوماته ومنظماته وإعلامه…
بعد الربيع العربي، وبعد قراءة متأنية لمسار تحرر الشعوب، أدرك الغرب أنّه سيكون لذلك تداعيات وجوديّة وتاريخية كبرى على هيمنته في المنطقة، وعلى وجود إسرائيل بالأساس، وهنا كان الانقلاب الكامل..
رفع السّقف المسموح به دوليّا في قمع الشعوب العربيّة، إلى درجة أنّه لم يعد هناك سقف… صار يسمح بالإبادة الكاملة، دون إدانة من أحد أو تحفّظ، ورأينا ذلك في الساحات المصريّة، آلاف يذبحون كالخرفان في الشوارع وينقل الإعلام العالمي كلّ ذلك على الهواء مباشرة، ولا يتدخل أحد … رأينا الإبادة في سوريا ولم يتدخل أحد…
عشرات الملايين ممّا جنّده الإخوان في مصر ومن كان معهم في مقاومة الانقلاب كان يكفي لقلب أية معادلة في الشّارع مهما كانت، فقط لو كنّا مازلنا نعيش في عصر الشّعوب…
في تونس فهم الطّيبون الدّرس، وأدركوا أنّهم لو استطاعو أن يجنّدوا الملايين لمواجهة الانقلاب العالمي على الربيع العربيّ، لذبحوا، وذبح الملايين، ولم يربح البلد ولا الحرية ولا الشهداء ولا الأجيال القادمة شيئا… بل لعاد الاستبداد بأبشع بكثير مما كان، مثلما يحدث دائما في حالات الانتكاس الثوري، ومصر خير دليل…
صار المطلوب اليوم واقعيّة سياسيّة، تعيد رسم الأهداف وتدريجها (بالتّدرّج) والتعامل مع الأولويات والموازنة بين الخسارات والاشتغال على عاملي الزّمن والوعي…
وبعد الثورة خير.
#عبد_اللطيف_علوي

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock