تدوينات تونسية

اختطاف أمّة

نور الدين الغيلوفي
من عبث التاريخ بنا نحن العرب أن تتلّقفنا بعد حقبة الاستعمار المظلمة دُوَلٌ اسمها الوطنيّة لم تنجز شيئا ذا بال من المحيط إلى الخليخ.. كل الذي فعلته أنّها تحوّلت إلى أجهزة انشغلت بتقوّية شوكاتها لتُحكم قبضاتها ليس على الأجنبي ولا المحتلّ.. ولكن على الشعوب التي تحكمها..
لقد رفعت دولنا التحديث شعارا لها وزّيّنت به واجهاتها فظهرت كما لو كانت نباتًا عصريا ولكنّها ظلّت نُنبت نباتا نكدا.. بما تنتج من استبداد قروسطي مظلم.. تعيد إنتاج عصور الظلام تحت عناوين جديدة.. فتكسر ما بين الدوال ومدلولاتها.. وتطلق الأسماء على غير مسمّياتها..
وبقدر ما كانت قبضاتها تشتدّ كانت جهود الشعوب تنهدّ.. وأدّى ذلك إلى تدمير الإنسان فينا.. صار أقصى ما يُسمَحُ به للمحكوم أن يأكلَ الطعام إن وجده.. أمّا المشيُ في الأسواق فيحتاج ترخيصا.. والترخيص يأخذ وقتا…
كلّ دول العالم من حولنا لحقت باللحظة المعاصرة وجعلت الإنسان رأس اهتمامها واتّخذته قبلتها ترعى حريته وتقدّس منزلته.. تنجز لفائدته الخدمات.. تصون حقوقه قبل أن تطالبه بواجباته.. تقيم لأجله المرافق وتبني المشاريع.. أمّا دولنا فاختطفها لصوص يلبسون ربطات عنق.. يكبتون الأصوات ويكتمون الأنفاس..
نحن لا نتنّفس إلّا بإذن حكّامنا ولا نقول إلّا ما يرضيهم حتّى أنّهم غرسوا في كلّ شخص شرطيا يرقب داخلَه قبل خارجه.. وجعلوا دخل الشرطيّ شرطيًّا…
ومن نكد الدنيا على شعوبنا أن ترى سلمان العودة أسيرا وترى محمّد بن سلمان آسرًا.. وترى عبد الفتّاح السيسي رئيسا وترى عصام سلطان حبيسًا…
هل رأيتم كيف حوّل العسكر مصر إلى مقصلة لجزّ رقاب من فيها؟
أرأيتم كيف ينافسون على زراعة الموت في بلاد باتت تكتب سيرتها بالدموع وبالدماء؟
مئات من البشر يُحرَقون أمام شاشات العالم…
وآلاف يُدفنون في الزنازين…
وعشرات يحكم القضاء السامخ بجزّ رؤوسهم في محاكم تاريخية لا سابق لها.. كما لو كانوا حيوانات.. ولو كانوا حيوانات لاحتجّت جمعيات الرفق بالحيوان…
أليس في ذلك إهدار لزمن الأمّة لصالح فئة باغية؟
لماذا كلُّ هذا؟
ألِيظلّ العسكر يتحكّمون؟
وتظلّ مصر في ذيل الأمم؟..
وظيفتها أن تقتل أبناءها تخفيفا على الكوكب..
هل ضاقت الأرض بسكّانها حتّى تبرّعت مصر بإعدامها؟…
هذا، لعمري، من عبث التاريخ بنا، أمَّةً لا تستحقّ أن تكون في زمن الإنسان.. لأنّها أضاعت الإنسان…
لا العدل عدل..
ولا القصاء قضاء..
ولا الدولة دولة..
ولا الإنسان إنسان…

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock