تدوينات تونسية

لا ديمقراطية دون أخلاق

محمد المستيري

لا معنى لاستقرار سياسي دون احترام منظومة الأخلاق المجتمعية ومرجعيتها الدينية، وإلا تحولت الديمقراطية إلى ذريعة للفاسدين وغطاء لأدعياء اللبرالية المتحررة من القيم. إن جرائم تبييض الأموال واختلاس المال العام لا تقل خطورة عن جرائم اغتصاب القصر والرضع والعجز. كلها مظاهر للتدهور الأخلاقي الذي انتهى إليه حال ديمقراطيتنا. هي حالة اغتصاب كبرى لمعنى الكرامة الإنسانية لا يمكن أن تستقيم مع ديمقراطية “سلطة الشعب”. لا شيء يبرر هذا المستنقع الأخلاقي الذي تستباح فيه الأعراض والأموال والدماء، لا الفقر ولا البطالة ولا مديونية الدولة.

ففي الوقت الذي تتفاقم فيه نسب العزوف عن الزواج والعنوسة، تزداد فيه جرائم اغتصاب الأطفال والعجائز. قد تبدو مفارقة غريبة، ولكنها تعبر عن إهمال كامل للمسألة التربوية داخل الأسر ومؤسسات التعليم، وجهل ثقافي وديني مركب بقيم التراحم والتكافل بين الأرحام والجيران وعموم أهل الوطن الواحد. إنه العنف الاجتماعي في أعتى مظاهره، الذي يبرز حينا بخطاب الإقصاء وحينا آخر بممارسة “إرهاب الطرقات” أو “إرهاب التطرف”، وها نحن اليوم نواجه وحشية وقذارة “إرهاب الطفولة”، من شباب يفترض أن يكونوا مستقبل البلاد، وأن يؤهلهم المجتمع للاستقرار العائلي وللإنتاج المهني والعلمي، وللمشاركة في الحياة السياسية. قليل من ذلك يتحقق اليوم، فشبابنا في الغالب عازفون عن السياسة وعن العمل وعن بناء الأسرة، بل حلمهم الأكبر أن يلوذوا بالفرار من أوطانهم نحو المجهول. عن أي ديمقراطية نتحدث إذا لم يعد للوطن معنى لدى شبابه؟!

إن على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها في صناعة الأمل لدى الشباب، وفي إعادة ترسيخ وظيفة التربية داخل مؤسساتها التعليمية، تلك الوظيفة التي انفصلت لعقود طويلة عن منظومة التعليم. ثم إن على الدولة التي تؤمن بسلطة الشعب أن تحرص كذلك على تخليقه من خلال تشريعاتها وقوانينها. فقوة الدولة الديمقراطية من قوة قوانينها، فإن لم تضرب الدولة بقوة الفاسدين والمنحرفين والمجرمين، فلن تكون مهابة بين الناس ولن تحقق أي إنجاز سياسي وحضاري. لقد أصبحت أوطاننا مستباحة للثلب والاغتصاب والقتل والفساد المالي والإداري والسياسي وانتهاك حرمات الدين والتطاول على مقدساته، في مقابل ارتخاء في تطبيق القوانين الردعية وانسحاب لسلطة القانون العليا.

إن مسؤولية الانحدار الأخلاقي لشبابنا مشتركة، اجتماعية وثقافية وسياسية، لا بد أن تتضافر في مواجهتها جهود جميع الفاعلين. ولكن دعنا نتفق أن اللبرالية قد تكون ناجعة أحيانا في الدفاع عن الحريات الفكرية أو في صناعة التوافقات السياسية، ولكنها في مجال الأخلاق والدين والمجتمع، تصبح ذريعة لنشر الرذيلة وسيادة الفردانية والأنانية. سجوننا تكتظ بالشباب المستهلك للمخدرات والمنتج للعنف والجريمة، وسواحلنا تلفظ يوميا قوارب الموت، وشوارعنا تتلوث ببذاءة اللسان، وجامعاتنا أصبحت معاقل لمحو الأمية، فإلى أين المسير؟ّ! يجب أن تصمت الأصوات المدافعة عن كونية حقوق الإنسان حين يصبح الوطن في خطر. فلا كونية دون مواطنية سلمية ولا سياسة دون مشروع أخلاقي واجتماعي ولا دولة دون سلطة قانونية ردعية. لا يمكن أن نركن لواقع الجريمة في حق أطفالنا، يجب أن نطالب بتنفيذ أقصى العقوبة، وليس أدنى من الإعدام، قبل أن تعدم أوطاننا.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock