تدوينات تونسية

حتى لا ننسى…

صالح التيزاوي
في أواخر السّبعينات وبداية الثّمانينات، شاع في المجتمع التّونسي مصطلحان خبيثان أطلقهما الحزب الإشتراكي الدّستوري: مصطلح “الخوانجيّة” ومصطلح “الخمينيين”.
أطلقت التّسميتان على روّاد المساجد من الشّباب وعلى التيّار الإسلامي الصّاعد صاروخيّا في الجامعة التّونسيّة.
وقد روّجت لهما الدّوائر القريبة من محمّد الصّيّاح، رجل المهمّات الصّعبة في الحزب، ومؤرّخ بورقيبة، وصاحب الماضي الشّيوعي، وإليه تنسب فكرة تأسيس “المليشيات” التي كانت تستغلّ الإحتجاجات الشّعبيّة على سياسات بورقيبة وعلى حكمه المطلق للقيام بأعمال قذرة ونسبتها إلى من يسمّيهم إعلام الزّعيم “الصّائدون في الماء العكر”. لم تكن التّسميّة عفويّة وإنّما كانت تصنيفا يراد به إقصاء قاس لكل فرد أو مجموعة أو حزب يمكن أن يغرّدوا خارج فلك الحزب الأوحد في البلاد، ويمكن أن يشكّكوا في زعامة بورقيبة. ومع انتصار الثّورة الإيرانيّة في بداية الثّمانينات راج مصطلح “الخمينيين” نسبة إلى الإمام الخميني قائد الثّورة الإيرانيّة. وكان المستهدف بهذه التّسمية الجديدة مرّة أخرى هو نفس الجمهور من شباب الجوامع والجامعات.
تلقًف الشّيوعيون التّسميتين ويبدو أنّهما لقيتا هوى في نفوس الرّفاق فراحوا يطلقونهما في منتدياتهم الخاصّة وفي خطابهم السًياسي وفي أعمالهم الثّقافيّة على معارضين مثلهم لحكم بورقيبة وعلى الذين يشاركونهم بؤس الإنتماء إلى نفس الطّبقة المفقّرة. وقد شكّل ذلك بداية ظهور “اليسار الإنتهازي” بعد تلاشي مجموعة “perspective” على إثر محاكمة رموزها وقياداتها. وكان من بينهم “جلبار نقّاش” الذي حكم عليه بأربعة عشر عاما سجنا عام 1968 ولم يغادر السّجن إلّا عام 1979. كان من تداعيات تلك المحاكمات أن ابتعد البعض من اليسار عن العمل السّياسي فيما اتّجهت مجموعة أخرى إلى حزب الدّستور بدعوى التّغيير من الدّاخل واتّجهت مجموعة أخرى إلى النّشاط في صلب “منظّمة العامل التّونسي” المحظورة. وقد نشط في صفوفها عديد الطّلبة والمثقّفين الذين تحوّل كثير منهم لاحقا إلى وزراء عند “بن علي”، منهم: محمّد الشّرفي وزير التّربية وصاحب مشروع “تجفيف المنابع الإسلاميّة” وهو رجل فرنسا في تونس، كانت تعدّه لخلافة بن علي ولكنّ بن علي “تغدّى بهم قبل أن يتعشّوا به”. وأحمد السماوي ومنصر الرويسي. وفي هذه الحقبة أصبح التّنسيق الأمني على أوجه بين مجموعات اليسار المتناسلة والتّجمّع لاضطهاد من يسمّونهم “خوانجيّة” أو “خمينين” وملاحقتهم في كلّ أماكن تواجدهم: في الجامعة، في الوظيفة العموميّة وفي العمل النّقابي وفي المساجد وحتّى في تأمين رغيف الخبز.
لم تعد في هذه الحقبة المظلمة من تاربخ تونس عبارة “خوانجي” قاصرة على روّاد المساجد من الشّباب أو على التّيّار الإسلامي الصّاعد في الجامعة وإنّما اتّسعت لتشمل من يقول “السّلام عليكم” بدل “صباح الخير” أو “مساء الخير”، ومن يستعمل في لغته عبارة “سبحان اللّه”، ومن يعفّ لسانه عن سبّ الدين، ومن لا يستعمل مفردات من “معجم الفحش”… كانت تلك قرائن واضحة على “التّخونيج”، وكانت كافية لحرمان صاحبها من حقوقه كلّها وتجريده من حقوق المواطنة والتّحريض عليه أمنيّا لحرمانه من حياة عاديّة أو حتّى شبه عاديّة…

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock