تدوينات تونسية

حديث الجمعة: في الحكم الرّشيد

صالح التيزاوي
لمّا ولي عمر بن الخطّاب الخلافة جمع أهل بيته وأقرباءه وأخبرهم بأنّ من يرتكب منهم مخالفة ستكون عقوبته مضاعفة. أخبرهم بقراره وعزم على إنفاذه حتّى لا تتخذ قرابته مطيّة للجور على حقوق النّاس على عكس السّائد في زماننا هذا حيث نجد أكثر النّاس جرأة على الفساد هم القريبون من دوائر الحكم.
لم ينتظر عمر بن الخطّاب الفساد حتّى يطلّ برأسه ليعلن محاربته وإنّما أغلق مداخله التي يمكن أن ينفذ منها حماية لمصالح النّاس وبقي متوثّبا يبحث عمّا يمكن أن يكون شبهة فساد قبل أن يتفشّى في المجتمع ويتحوّل إلى ظاهرة… وذات يوم بينما كان يقوم بجولته اليوميّة يتفقّد أحوال شعبه مرّ بإبل سمان فسأل عن صاحبها فقيل له: “إنّها لابنك يا أمير المؤمنين”. سأله من أين اكتسبها فقال: “إنّها من حرّ مالي يا أمير المؤمنين”. فقال له: “إنّ إبلك إذا دخلت حمى قوم لم يجرؤوا على منعها وقالوا: هذه إبل ابن أمير المؤمنين دعوها ترعى حيث شاءت. وإذا قدمت مورد ماء قدّموها على غيرها في الشّرب… وهكذا تسمن إبلك
وتهزل إبل غيرك. ثمّ أمره ببيعها على أن يأخذ رأس ماله ويردّ ما زاد على رأس المال إلى بيت مال المسلمين.
تعلّم عمر بن الخطّاب في مدرسة النّبوّة أنّ العدل أساس الملك وانتظام العمران البشري وازدهار الحياة وشرط لإسعاد النّاس وإشعارهم بالأمن. وتعلّم أنّ الدّين ليس مجرّد إطلاق للّحية أو تقصير للثّوب وإنّما هو عدل ومساواة ببن البشر.
تروي كتب السّيرة أنّ قريشا أهمّها شأن المرأة المخزوميّة (نسبة إلى بني مخزوم) كانت قد سرقت فأرادت أن توسّط أسامة بن زيد (حبّ رسول اللّه) ليشفع لها عند الرّسول حتّى لا يطبّق عليها الحد فلمّا كلّم فيها رسول اللّه غضب صلّى اللّه عليه وسلّم وقال له: “أتشفع في حدّ من حدود اللّه؟” ثم خطب في النّاس: “إنّما أهلك النّاس قبلكم أنّهم كانوا إذا سرق فيهم الشّريف تركوه وإذا سرق الضّعيف أقاموا عليه الحد، فو اللّه لو أنّ فاطمة بنت محمّد سرقت لقطعت يدها”.
هذا المنهج النّبوي في العدل تمثّله أبو بكر الصّدّيق أوّل الخلفاء الرّاشدين يوم بويع بالخلافة فقال: “ألا إنّ أقواكم عندي الضّعيف حتًى آخذ الحقّ له وأضعفكم عندي القويّ حتّى آخذ منه”.
تعلّم الصّحابة من السّيرة النّبويّة أن العدل قيمة كبرى يرتقي إلى مستوى الفريضة، ولا ينبغي أن يتأثّر بالغنى والفقر، وأنّ من مقتضيات العدل: المساواة بين النّاس في تطبيق القانون. وفي عصرنا الحديث وبعد ثورة قامت على الظّلم يمرّر قانون “المصالحة الإداريّة” سيّء الذّكر للعفو عن لصوص وناهبي المال العام الذين تسبّبوا في تفقير شعب بأسره وإنهاك الدّولة وإثقال كاهلها بالدّيون.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock