مقالات

فلسطين والعدالة الدولية والإفلات من العقاب

أنور الغربي
يتعرض هذه الأيام زعيم حزب العمال في بريطانيا “جريمي كوربين” الى حملة مضللة للتذكير بمشاركته هو وعدد من البرلمانيين والسياسيين البريطانيين في مؤتمر دولي حول مسارات القضية الفلسطينية كنا قد نظمناها أواخر سنة 2014 وكانت تحت رعاية رئيس الدولة حينها ونحن بهذه المناسبة نذكر بمخرجات المؤتمر الذي كان قد حضره حوالي 400 خبير ومختص من حوالي 50 دولة حول العالم ونذكر اليوم بأن العدالة الدولية ما زالت تحصي عدد الشهداء والجرحى والمعتقلين والمبعدين في فلسطين دون أن تحرك ساكناً.
كما ان الجرائم التي ترتكب يومياً بحق الشعب الفلسطيني أثبتت ان منظومة الامم المتحدة بحاجة لإعادة صياغة جديدة و فق معطيات وقواعد تضمن حفظ السلام والأمن الدوليين حفظاً حقيقياً.
لقد شكل قيام المحكمة الجنائية الدولية حلماً للشعوب المضطهدة، لتفعيل مبدأ عدم جواز الإفلات من العقاب لأي مجرم مهما كانت حصانته ووضعه السياسي. ولكن تحقيق هذا الحلم لم يكتمل لان المحكمة الجنائية ليس لها صلاحية على كافة الدول؛ كما أن حصر الملاحقة في بعض الحالات يستدعي صدور قرار من مجلس الامن، مما يعني أن تحريك أجهزة المحكمة الجنائية لملاحقة بعض المجرمين يستدعي قرارا سياسيا من مجلس الامن كما هو الحال الآن بالنسبة لفلسطين ، وهذا ما يجعل (مبدأ عدم جواز الإفلات من العقاب) مبدأً سياسياً أكثر منه قانونياً دولياً أو يستدعي انضماماً من بعض الدول والتوقيع على اتفاقية روما.
ان عدم معاقبة المجرمين الإسرائيليين على جرائمهم التي ارتكبوها بحق الشعب والأرض الفلسطينية شجع الكثير من الرؤساء و المسؤولين على قتل شعوبهم التي نادت بالحرية.
ان الربيع العربي الذي انطلق من تونس وأعطى أملاً للشعوب العربية بالحرية والعيش بكرامة حاربته قوى الاستبداد والظلم السياسية والعسكرية في بعض البلدان العربية فقتلت مئات الآلاف من أبناء أوطانهم دون ان تتحرك العدالة الدولية لمحاكمتهم، رغم ارتكابهم لافظع الجرائم الدولية. ومازال أولئك المجرمون ينعمون بلذة قتل شعوبهم حتى هذه اللحظة وسط حماية سياسية دولية.
ان مفهوم العدالة الدولية على المحك، فإذا لم يعاقب مجرمو الكيان الصهيوني، فان مقولة العدالة الدولية ستسقط الى غير رجعة.
وحيث أن العدالة الدولية لا تزال غائبة فيما يتعلق بقضايا المسلمين والعرب عموماً والقضية الفلسطينية خصوصاً، فإننا نوصي بما يلي:
1. على فلسطين أن تسعى عاجلاً إلى الانضمام لميثاق روما الناظم للمحكمة المحكمة الجنائية الدولية وكذلك دعوة السلطة الفلسطينية الى تفعيل اتفاقيات جنيف الأربعة خاصة فيما يتعلق بمحاكمة مجرمي الحرب الاسرائيليين في محاكمها الوطنية تماشياً مع الماد 146 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949. وكذلك تفعيل القضاء الفلسطيني الداخلي لملاحقة المجرمين الإسرائيليين.
2. دعوة الدول العربية الى وضع أساس لإنشاء محكمة جنائية عربية تعنى بالانتهاكات القانونية الدولية.
3. تحميل الولايات المتحدة والدول الغربية وغيرها من الدول المسؤولية القانونية بسبب دعمها المادي والعسكري لإسرائيل.
4. على الدول العربية والإسلامية ودول العالم الحر، وفلسطين، السعي لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة لاستصدار قرارات بضرورة الرفع الفوري للحصار عن غزة وتفعيل القرارات السابقة وأن تأخذ الجمعية العامة الأمر على عاتقها وتضعه على جدول أعمالها الدائم، والسعي لإدانة الاحتلال الإسرائيلي والدعوة لمقاطعته ومعاقبته وسحب الاعتراف منه. كما يمكن العمل من خلال قرار الجمعية “الاتحاد من أجل السلام” على إنشاء محكمة خاصة لجرائم الحرب بموجب المادة 22 من ميثاق الأمم المتحدة، بما يضمن محاكمة مجرمي الحرب.
5. على فلسطين وبالتعاون مع الدول المؤيدة للحق الفلسطيني أن تسعى إلى استصدار فتوى من محكمة العدل الدولية حول مشروعية الحصار على غزة، طبقًا للمادة 65 (1)، من نظام محكمة العدل الدولية. ثم العمل على تفعيل هذه الفتوى قانونياً وسياسيا والتواصل مع دول العالم بما يحرج من لا يلتزم بفحوى الفتوى. ويمكن لهكذا فتوى أن تكون داعماً لفكرة التقدم إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بطلب للتحقيق في حرب غزة.
6. دعوة الجامعة العربية الى القيام بواجبها الأخلاقي والقانوني حيال كسر الحصار على غزة.
7. على منظمات حقوق الإنسان السعي للتواصل مع لجنة التحقيق التي شكّلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وتزويدها بالمعلومات الموثقة وبالأدلة على اقتراف قادة الاحتلال لجرائم حرب، وعلى آثار الحصار على قطاع غزة وعدم قانونيته. ثم السعي إلى حمل المجلس إلى تفعيل تقرير لجنة التحقيق، وتقرير لجنة التحقيق في الحرب السابقة (تقرير غولدستون)، والضغط على مجلس الأمن لأجل إحالة نتائج التحقيق إلى المحكمة الجنائية الدولية.
8. السعي لتثبيت المسؤولية القانونية على إسرائيل فيما دمرته من بيوت ومستشفيات ومدارس وبنى تحتية، ومطالبتها بدفع تعويضات عن ذلك للمتضررين.
9. متابعة العمل في الدعوة التي طرحت لعقد اجتماع للأطراف السامية المتعاقدة في اتفاقية جنيف الرابعة، لتحديد التدابير الواجب اتخاذها بهدف إنفاذ وفرض احترام الاتفاقية من قبل الاحتلال الإسرائيلي واتخاذ الإجراءات اللازمة بما يضمن وقفاً فورياً لانتهاكات إسرائيل لاتفاقيات جنيف واستهدافها للمدنيين، بموجب المادة (149) من اتفاقية جنيف الرابعة، ودعوة هذه الدول -أيضاً-، ولا سيما دول الاتحاد الأوروبي، وأمريكا اللاتينية، والدول العربية والإسلامية، إلى تفعيل مبدأ “الاختصاص العالمي” بموجب المادة 146 من اتفاقية جنيف الرابعة، بما يسمح بمقاضاة قادة الحرب ومرتكبي الجرائم.
10. التعاون مع الدول الأوروبية ومع منظمة الأمم المتحدة للتنمية بما يؤدي إلى تسهيل حركة المسافرين والبضائع من غزة وإليها، وتثبيت حقها على إقليمها أرضاً وبحرا وجوا، وبما يعني حقها في تدشين مطار أو ميناء بحري ضمن ضوابط قانونية ووجود مراقبين دوليين بما يلبي الاعتبارات الأمنية المطلوبة.
11. دعوة مجلس الأمن إلى التحرك العاجل للجم الاحتلال الإسرائيلي عن انتهاكاته المستمرة بحق المدنيين ومنشآت الأمم المتحدة في قطاع غزة، باعتبار ذلك يمثل تهديداً للأمن والسلم الدوليين، سنداً للمادة 24 من ميثاق الأمم المتحدة. ودعوته إلى فتح تحقيق في الانتهاكات وإحالة القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية، وكذلك الدعوة الى إدانة الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة بحق الأسرى الفلسطينيين والتي تتعارض والقانون الدولي الإنساني.
12. دعوة الأمين العام للأمم المتحدة، إلى إدراج إسرائيل في “قائمة العار”، سنداً لدعوة مجلس الأمن اعتبار شن الهجمات، أو التهديدات المتكررة بشن الهجمات على المدارس والمستشفيات، وكذلك على الأشخاص المحميين خاصة ما يتصل بالمدارس والمستشفيات، مبرراً يدفع إلى إدراج الدولة التي تقوم بمثل هذه الأفعال في قائمة العار التي يعدها الأمين العام للأمم المتحدة.
13. دعوة الدول التي يخدم عدد من حملة جنسيتها في صفوف القوات المسلحة الإسرائيلية إلى المسارعة بسحبهم، نظرا لاحتمال أن يكون هؤلاء الجنود “عرضة للملاحقة على اقترافهم جرائم بحق الشعب الفلسطيني.
14. وأخيراً تشكيل فريق قانوني دولي متخصص لمتابعة تلك التوصيات بجدية حتى الوصول الى النتيجة المرجوة.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock