تدوينات تونسية

كفى إدانات متبادلة المطلوب حوار وطني واسع

عبد اللطيف الهرماسي

التقرير حول الحريات الفردية و المساواة، والذي أثار جدلا كبيرا في الفترة الأخيرة، عبارة عن مشروع لمجتمع ذي أساسين: المساواة المطلقة والآنية بين الرجل والمرأة في كل المجالات، والحرية المطلقة والتامة للأفراد في جميع المجالات.

يستند التقرير إلى التحولات الهامة التي حصلت منذ إصدار مجلة الأحوال الشخصية في أوضاع و أدوار المرأة التونسية، وإن كان يبالغ في تقدير مدى غلبة الأسرة النووية على حساب العائلة الموسعة ومدى بروز الفرد المستقل عن الجماعة التقليدية وذلك بما يخدم أغراضه المعلنة أو غير المعلنة.
يدافع التقرير عن تمكين المرأة ومساواتها بالرجل ودعم مكانتها داخل العائلة، وهو هدف لا يمكن لكل تونسي مستنير إلا أن يقاسمه. ولكن تبقى مطروحة كيفية تجسيم هذه الغاية المشروعة مع الحفاظ على تماسك المجتمع وتوازنه وجعله يقبل بالتغير مع الإطمئنان لهويته وثوابته. وهنا يكمن الإشكال.
وعلى سبيل المثال فإن التقرير يأخذ بالإعتبار دور العوامل الإقتصادية، الإجتماعية متمثلة في تنامي دور المرأة في الإنفاق على العائلة وإرتفاع مستواها التعليمي، ولكنه تجاهل وزن ودور الإنتماء الديني والموروث الثقافي والأخلاقي. هو يبحث لامحالة عن شرعية لمقاربته ومقترحاته في رؤية دينية مقاصدية، لكن قارئه يكتشف أن المحتوى الأساسي لتأويله المقاصدي عبارة عن قيم تعتبرها النخب الحداثية عموما ذات طابع كوني، من دون إتفاق على إستتباعات هذا الوصف: إذ يذهب المتطرفون في هذا المنحى، ومنهم أبرز عناصر اللجنة التي وضعت التقرير إلى إعتبار منظومة الحريات الفردية والمساواة كما تجسدها المواثيق الدولية أسمى وأعلى من أي مرجعية دستورية وقانونية وطنية. هو تعسف يتناسى كون هذه القيم نتاج التطور التاريخي للغرب وثقافته، وأن من حق البلدان والمجالات الحضارية الأخرى أن توفق بينها وبين ما تعتبره ثوابت وخصوصيات ثقافية ودينية تعترف بها نفس تلك المواثيق وينكرها دعاة الحداثة بلا حدود على شعوبهم.
لا غرابة إذن أن يذهب التقرير مثلا إلى الدفاع عن حق الفرد في الدعوة العلنية إلى أي معتقد كان وممارسته حتى وان كان مناهضا ومستفزا لمعتقدات الأغلبية الساحقة، وكذلك أن يدفع بقوة ومعه رئيس الدولة في خطابه الأخير يوم 13 أوت بإتجاه تغيير القاعدة القانونية المنظمة للإرث، رغم علمه بإنقسام المجتمع التونسي حول هذه المسائل.
إزاء كل هذا وإزاء ما رافقه من خطابات إنفعالية وموتورة نقول: كفى إدانات متبادلة وكفى مساومات في قضايا كبرى. المطلوب نقاشات معمقة ورصينة، ولم لا، حوار وطني واسع تشارك فيه جميع الأطراف حتى لا يستعجل أحد في تقرير مصير البلاد أو ممارسة الوصاية على المجتمع التونسي فئات وأجيالا.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock