تدوينات تونسية

“أعداء الديمقراطية الحميمون في تونس”

وليد العرفاوي

كنا متلهفين لبناء دولة ديمقراطية تقوم على احترام الحقوق وتكريس حريات الإنسان الفردية والجماعية، كنا نقف في قلب شارع الثورة وننادي “خبز، حرية، كرامة وطنية”، كنا ننتفض وكانت الجماهير صفا واحدا تبحث عن “الدولة المفقودة” آنذاك في غياهب الدكتاتورية، كان كل شيء بطعم الحلم، أما اليوم فكل شيء بطعم الغرق على حد تعبير العدمي المستنير “اميل سيوران”، الديمقراطية التي حلمنا بها بتلك اللهفة ولدت مريضة مثلما يصفها “تودوروف” وهذا المرض يكمن في فهمنا الخاطىء لها وعدم التعامل معها بعقلانية..
“صناع الثورة ضحايا الدولة”
من صنع الثورة هو أكبر ضحية في هذه الدولة التي لا تحترم مواطنيها إذ نلاحظ تواصل سياسة التهميش والتفقير علاوة على ارتفاع الأسعار وانخفاض القدرة المعيشية للمواطنين ذوي الدخل المحدود هذا ناهيك عن انسداد الأفق وعدم تنفيذ البرامج التي تخدم الشعب وتحقق غاياته المنشودة لذلك فإن كل من نادى بالثورة يكتوي اليوم بنيرانها نتيجة حكم الجهلة الذين استولوا على المقاعد الحكومية والبرلمانية ورموا بقراراتهم الكاذبة وووعودهم المنكوثة عرض الحائط، ربما سيقول البعض أن المخاض الثوري عسير لكن في حقيقة الأمر فإن ما نلاحظه عن قرب ينم بأن الجهاز الحاكم لا بوصلة له.
غياب المثقف العضوي
يرتبط هذا التوصيف المركب بالمفكر والقائد السياسي للحزب الشيوعي أنطونيو غرامشي A.Gramsci. المثقف العضوي لا يختزل فهما وتعريفا في ذلك المثقف المرتبط بالجماهير فحسب، الراغب في التغيير والذي يعمل أو عليه أن يعمل من أجله. “المثقف العضوي” في فكر غرامشي هو صاحب مشروع ثقافي يتمثل في “الإصلاح الثقافي والأخلاقي والاجتماعي”.
لكن بمجرد التمعن في الساحة الثقافية نستشف أن قلة قليلة من المثقفين يمكن وصفهم بالمثقفين العضويين لكن البقية ليسوا إلا أبواق دعاية وتزييف السلطة وهم بعيدون كل البعد على القضايا الحارقة للشعب التونسي مما جعلهم “كلاب حراسة” على حد تعبير الكاتب الفرنسي “بول نيزان” الذي اعتبر المثقف الصامت على مشاكل الشعب والمتناسي لدوره الأساسي ليس إلا متواطىء مع السلطة في تضليل الشعب وخداعه..
خونة المستقبل: من هم؟
كان ريجيس دوبريه الصحفي الفرنسي والمفكر الثوري يسمي المتسببين في الثورة المضادة بخونة المستقبل وهذا التوصيف المعبر ينطبق على السياسيين والمثقفين الذين خانوا مستقبل الشعب وأعادوا لنا العالم القديم الذي ظننا أننا قطعنا معه للأسف فالمثقف اليوم لا يتحدث إلا على الحريات الفردية والحال أن الحقوق الفردية غير مضمونة رغم تكريسها في الدستور ولا ينخرط في القضايا الاجتماعية والاقتصادية مع شعبه، المثقف التونسي اليوم يبحث عن الحرية وهو بلا دولة مستقلة فعليا، المثقف التونسي اليوم ينادي بالحرية بكل لهفة ولا يعلم أن هنالك تونس الأخرى “المنسية” اينكم من هذا ؟ لا أنتم تشبهوننا ولا نحن نشبهكم لذلك لن تفهمموننا وسيبقى الحال كما هو إلى حين قدوم بديل سياسي يمضي بنا للخلاص..
من نادى بالأمس بالديمقراطية هو في الحقيقة عدوها الحميم اليوم وغدا مالم يفهم أن قوة الدولة في ثقة شعبها فيها.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock