تدوينات تونسية

أيّها الشّعب لا زلتَ قاصرا

سامي براهم

التّأويل الرّسمي الوحيد للدّستور
شاركت البارحة عبر الهاتف في حوار إذاعي حول مخرجات تقرير لجنة الحريّات الفرديّة والمساواة وكانت الأستاذة سلوى الحمروني حاضرة عن اللجنة، واعتبرت في معرض ردّها على المخالفين أنّ من يعارضون التقرير يعارضون الدّستور لأنّ التقرير في نظرها مستمدّ من الدّستور ومطابق له.
أشرت لها أنّ التقرير ليس هو الدّستور بل هو قراءة من القراءات وتأويل من التّأويلات التي تعكس رؤية أعضاء اللجنة وخلفياتهم المعرفية والأيديولوجيةّ التي قد لا تعبّر بالضّرورة عن الضّمير العامّ، بينما الدّستور قابل في بعض من فصوله إلى عدد من التّأويلات التي تحسم من خلال النّقاش العمومي المفتوح دون فرض تأويل مسقط باسم قطعيّة من القطعيّات،
فكان ردّ الاستاذة بعد الموافقة على ما ورد في تعليقي أنّ التّأويل الرّسمي الوحيد للدّستور تضبطه المحكمة الدّستوريّة.
فهمت عندها الرّهان والنّزاع على هذه المؤسّسة التي قد تتحوّل إلى أداة لحسم معارك االتّأويل في هذا الاتّجاه او ذاك على حساب النّقاش العمومي.
أيّها الشّعب لا زلتَ قاصرا
ليس الخطأ في اعتبار اللجوء إلى الاستفتاء غير مناسب في السّياق الرّاهن رغم مشروعيّة اللجوء إليه في الحالات القصوى التي ينعدم فيها الوفاق بعد استيفاء سبل الحوار ، لما يمكن أن يؤدّي اليه في سياق الاستقطاب الحادّ من المغالبة وتعميق الانقسام المجتمعيّ والتشويش على الوحدة الوطنيّة،
ولكن الخطأ في التعليل المقدّم الذي يعكس تمثّل من وقع تكليفهم بصياغة “دستور الحريات والمساواة” في البلد بوعي الشّعب التّونسي ومستوى نضجه الدّيمقراطي.
ومفاد هذا التمثّل أنّ مقترحات التقرير في نظر من صاغوه متقدّمة على وعي الشّعب رغم سرديّة تعميم التمدرس والثقافة، ممّا يقتضي استدعاء النّخب التقدّمية الطليعيّة المستقوية بالسلطة لفرض ما يصلح للشّعب بقوّة القانون المسقط في إطار توازنات السياسة وملابساتها،
هذا نفس المنطق الذي قاد الحركة الاستعماريّة تحت عنوان الحماية ورسالة التنوير وقاد الاستبداد تحت لافتة الزّعماء الملهمين الذين يعرفون مصلحة الشعوب اكثر من الشّعوب نفسها.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock