تدوينات تونسية

وفي السّماء رزقكم وما توعدون

صالح التيزاوي
منذ أيّام قلائل خاض النّاس في بلادنا في أزمات كثيرة، بعضها طبيعي وبعضها مفتعل، بما في ذلك أزمة المياه (وهي أزمة طبيعيّة)، وبدأت التّحاليل تأتي من كلّ حدب وصوب.
ومع اشتداد موجة الحرارة أصبح الكثير يتحدّث عن تبخّر ما بقي في السّدود من مياه قليلة بما يعني أنّ المجتمع أصبح مهدّدا بالعطش وبدأ تجّار الأزمات يلتقطون صورا لمنسوب المياه في السّدود وقد انحدر إلى أدنى مستوياته (هكذا يقولون)، وصورا للأراضي التي تشقّقت من شدّة العطش (لعلّها في كوكب آخر)، وبدأ الإشتغال على هذه الأزمة لتعميقها فأصيبت قنوات المياه بأعطاب متكرًرة ومتشابهة. وبدأ الإنقطاع المتكرّر للمياه بذريعة الصّيانة أو العطب أو الإقتصاد في استعمال المياه، وشرع آخرون في التّرويج للتّرفيع في سعر استهلاك المياه… بدا أنّ هناك سعيا محموما لخلق مناخ من الرّعب، ترافق مع أزمة سياسيّة مستفحلة فرضها على البلاد الحزب الفائز بالإنتخابات الأخيرة بفعل تشقّقاته ووعوده الكاذبة وعدم جدّيته في المضيّ قدما في مسار الحقوق والحرّيات. ترافق ذلك كلّه مع أزمات مزمنة، مثل البطالة والإنحدار المستمرّ للدّينار التّونسي والتّضخّم المالي المتصاعد، ونقص الأدوية والحرائق التي أتت على البعض من صابة الحبوب.
وسط هذه الأجواء الخانقة كان “مكر اللّه” أكبر من مكرهم وإرادته فوق إرادتهم فنزل الرّزق من السّماء على العباد كلّهم: أبرارهم وفجّارهم، نسّاكهم وهلّاكهم، مصلحوهم ومفسدوهم. وقد سمّى اللّه في كتابه الكريم المطر الذي تحمله السّحب في طبقات الجوّ (السّماء) رزقا لأنّه يحيي الأرض الميّتة ويزيل آثار الجفاف وبالفعل فقد فاضت الأودية وارتوت الأشجار وأخذت المائدة المائيّة نصيبها وامتلأت السّدود ونجّانا اللّه من كارثة العطش، ومن مكر تجّار الأزمات حتّى الطّبيعيّة… كم هو بليغ أن يعدل القرآن الكريم عن ذكر المطر، فيسمّيها رزقا… لأنّها سبب كلّ رزق على الأرض…

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock