مقالات

تونس وفخ “الدولة الآمنة”.. خفايا التصنيفات الأوربية المخادعة

لطفي الحيدوري

يجري في ألمانيا نقاش سياسي حول إعلان دول المغرب العربي، “دول منشأ آمنة”، حيث تعتزم الحكومة الألمانية تصنيف تونس والجزائر والمغرب ضمن المواطن الآمنة، بغرض إسراع إجراءات اللجوء للوافدين من تلك الدول، وترحيل اللاجئين المرفوض طلبات لجوئهم إليها بسهولة.

وقد وافق مجلس الوزراء الألماني، منذ أسبوع، على مشروع قانون في هذا الغرض، وهو ما يعارضه حزبا الخضر و”اليسار” أيضا.
سياسية ألمانية، تنتمي إلى حزب الخضر، ورافضة لهذا المشروع اعتبرت أنه لا يمكن إعادة تعريف الواقع في هذه الدول ببساطة كي تتوافق مع خطط الحزب المسيحي الاجتماعي وقالت: “يعدّ ذلك اعتداءً على حق اللجوء الفردي”.
ويذكر أنّ الخطط التي أشارت إليها زعيمة الخضر، هي المشروع الأوروبي لمعالجة مشكل تدفق المهاجرين من جنوب المتوسط، وذلك بإقامة “منصات إنزال المهاجرين”، في الدول المغاربية المذكورة.

وقد رفضت الحكومة التونسية الطلبات الأوروبية في هذا الشأن، لذلك جاءت المبادرة الألمانية بـ”إعادة تعريف الواقع” من أجل “فرض الأمر الواقع”. فقد عمدت دول أوروبية إلى رفض رسوّ سفن الإنقاذ التابعة للمنظمات الإنسانية، الحاملة للمهاجرين، ودفعها إلى العودة إلى الجنوب، وآخر مثال على ذلك سفينة الإنقاذ العالقة قبالة ميناء جرجيس والحاملة لـ40 مهاجرا إفريقيا، والتي أعلن رئيس الحكومة يوسف الشاهد، بعد أسبوعين من الحادثة، يوم السبت الماضي أنّ الحكومة أذنت بدخول المركب إلى الميناء، بما سيجعل تونس أمام عبء ملف اللجوء من جديد، بعد أن تم طي ملف مخيّم الشوشة.

فمن الواضح مثلما كشف جزء من السياسيين الألمان أنّ تصنيف “الدولة الآمنة” ليس اعترافا أو شهادة استحسان، بل هو مدخل لتطبيق مصلحة أوروبية، ضمن سياسة أمنية للتخلّص من آثار تدفق موجات مهاجرين من جنوب المتوسط يعتبرهم جزء من الأوروبيين من أسباب البطالة والجريمة والإرهاب.

الدول “الآمنة” ستكون منصات لغربلة طالبي اللجوء، ويبقى النقاش حول حقيقة التسمية إن كان الأمر “مراكز احتجاز”، أو “مراكز إقامة” لتكييف الملف “حقوقيا”، فقد أعلنت المفوضية الأوروبية أن الاتحاد الأوروبي سيتعاون مع أي من الدول المهتمة بإقامة مراكز للمهاجرين على “قدم المساواة”، مشيرة إلى أن الاتحاد يمكن أن يقدم الدعم “المخصص لظروفها السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية الخاصة بها”، وتعهدت باحترام القانون الدولي وحقوق الإنسان. لكنّ منظمة أوكسفام الخيرية الأوروبية، المتابعة للملف، وصفت المراكز بأنها “معسكرات اعتقال بحكم الواقع”.

وتجد مخاوف المنظمات الإنسانية مشروعيتها، تبعا لما عاينته سابقا من إزدواجية أوروبية في ملف حقوق الإنسان، الذي طالما اعتمدته دول غربية ورقة ضغط على أنظمة مستبدة، ترفعها متى اقتضت المصلحة ذلك. وقد رأينا منذ أسبوعين كيف سارعت ولاية ألمانية إلى ترحيل التونسي المشتبه بانتمائه إلى تنظيم القاعدة، سامي العيدودي إلى بلاده، رغم التحذيرات الحقوقية والموانع القضائية، وقبل صدور تصنيف “المنشأ الآمن”.

ويأتي مشروع هذا التصنيف رغم أنّ معظم الدول الأوروبية تحافظ على بلاغات تحذيرات السفر على مواقع سفاراتها بتونس.

وتشمل الأنانية الأوربية أكثر من ذلك، فحتى الحقوقيون أنفسهم، يرون مسألة حقوق الإنسان في بلداننا من زوايا “إيديولوجية” جزئية، لا ترتبط بالقضايا المطروحة محليا، فزعيمة حزب الخضر الألماني كلوديا روت التي تعارض بصرامة توجه بلادها، أشارت إلى ملف “مجموعات من الأشخاص ليست آمنة. كملاحقة المثليين والمثليات جنسيا وكذلك المتحولين جنسيا”.

وبالفعل فملف حقوق الإنسان هو من ورقات الضغط الثقافية والسياسية، التي ترفع عند طرح ملفات “المصالح الثنائية”، ولا ينسى التونسيون تصريح الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك عند زيارته لتونس في سنة 2003، عندما أشاد بسياسة نظيره التونسي زين العابدين بن علي، وذكر أن أول حق من حقوق الإنسان هو الحصول على الغذاء والرعاية الصحية والعلم والمسكن. واعتبر أنه انطلاقا من وجهة النظر هذه يجب الاعتراف بأن تونس متقدمة جدا في هذا المجال على دول أخرى كثيرة، وفق تعبيره.

وقد ظلّ بن علي حليفا مدعوما، أوروبيا، تمارس عليه أحيانا بعض الضغوطات في ملفات “شخصية”، لإطلاق سراح سجين سياسي بارز، أو تسليم جواز سفر لصحفي، أو منح تأشيرة صحيفة، أو السماح بعقد اجتماعات. وهو تواطؤ غربي أنهت إرادة الشعوب التي ثارت سنة 2011 مفعوله، قبل رفع بعض القوى الغربية أيديها عن حلفائها المستبدّين، وقد كانت إلى آخر لحظة قبل فرارهم تسعى لمدّ العون لهم لسحق “الشغب” الذي هزّ أركان حكمهم.

وقد اكتشف التونسيون بعد الثورة، زيف “المعجزة التونسية “التي تشيد بها مؤسسات التصنيف الدولية في دافوس والبنك الدولي، وبانت الهوة السحيقة بين حزام الساحل المحظوظ، والفقر الجاثم في الدواخل.

شهادات الاستحسان التي قد تتلوها قروض ميسّرة وهبات وتمويلات لمشاريع ثقافية وتدريبية، لها ما بعدها، وقد كشفت أنّها حلول لمشاكل أوروبية داخلية، لا معالجة لأزمات محلية في بلداننا، وهي سياسات قائمة على الانغلاق والتعامل مع الآخر على أساس تهيئته لأن يكون شبيها، وانتقاء الكفاءات التي يدّخرها، واستغلال اليد العاملة الرخيصة بتوطين المؤسسات الأجنبية تحت عنوان تعزيز الاستثمارات..

الحقائق المنسية كثيرة في هذا الملف، وعناوين التباهي، الكاذبة، بريادة العالم وإعطاء الدروس كثيرة. فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان صدر في 10 ديسمبر 1948، بعد 3 سنوات من مجزرة سطيف التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي بحق المدنيين الجزائريين وسقط فيها نحو 45 ألف قتيل. وفي السنة ذاتها التي هجّر فيها 750 ألف فلسطيني من أرضهم بتواطؤ دولي.

AVANT-PREMIERE

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock