تدوينات تونسية

استراتيجيات التسطيح والترذيل

عايدة بن كريّم
منذ أن باغت الربيع العربي صنّاع السياسات (المحليين والدّوليين) تشكّلت غُرف تفكير ومراكز بحث مهمّتها رصد مؤشّرات الحراك واتباع وُجهته من أجل التحكّم في مساراته… بالتأسيس لمنظومة قيم جديدة مُلبرلة ومُعولمة. (البراغماتية والديمقراطية الممسرحة والفردانية والمصلحة..).
التحكّم في المسارات يكون باختيار عناصر فاعلة محلية (إعلاميين وسياسيين ورجال دين ومُثقّفين…) تتميّز أوّلا بقابلية الإستجابة للإملاءات وثانيا بالإستطاعة والقدرة على التأثير في وُجهة الوعي الشعبي الذي يُحدّد وُجهة المسار…
شرط القابلية يتوفّر في جلّ الفاعلين مع اختلاف في الدرجة وليس في النوع (كلّهم لديهم قابلية للإستعمار المُفيد شكون يدفع)… أمّا الإستطاعة فأمرها موكول لمن راكم رأسمال رمزي (نضالي وتاريخي وسياسي وأكاديمي ومعرفي وبشري ومالي…)…
وفي هذه السياقات: قرارات تابعة وسياسات مفروضة ومسار خاضع لإملاءات -الممولين- “BAILLEURS DE FONDS” لا يُمكن أن يُصنع غير رأس مال بشري بوعي مُسطّح…
تسطيح الوعي هو الآلية الوحيدة للتحكّم في وُجهة المسار… مسار تميّز بـ اللاّ-نقد واللاّ-فكرة وخاصة اللاّ-أسئلة… (مجلس تأسيسي؟ عدالة إنتقالية؟ انتخابات؟مصالحة؟ تطبيع).
إذن المطلوب تسطيح الوعي الشعبي لأنّ بهكذا إستراتيجية يُمكن أن يُهيمن أصحاب القابلية للإستعمار على أصحاب القابلية للإستحمار… ويُهيمن المسؤول الكبير على وُجهة المسار…
شبكات تبنيها الأحزاب السياسية تُجنّد أصحاب اللاّ-فكرة وتجمع بسطاء الفهم وقليلو التجربة وتُشكّل وعيا “انكشاريا” وجيشا من أصحاب اللاّ-رأي… مجموعات بعضها يشتغل لهذا وبعضها الآخر يشتغل لذاك وكلّ مجموعة وقائدها وكلّ قائد تتحكّم فيه جهة بعينها وكلّ جهة تأخذ أوامرها من هذا البلد أو ذاك… والجميع يتحرّك داخل سوق عالمي تُعرض فيه جميع السلع والقانون “دعه يعمل دعه يمرّ” وكلّه من أجل *اهداف مشروعة- “Bonne cause”.
أمّا استراتيجيات الترذيل فآليتها تعويم المشهد بأصحاب القابلية للإستحمار الذين اكتسبوا وعيا مُسطّحا وأوهموهم بالفاعلية والإستطاعة على الفعل… هؤلاء يقع توظيفهم بشكل ممنهج لترذيل الثورة والتقليل من شأنها بتكرار فكرة أنها “مؤامرة” أو أنها “من فعل اللوبي الصهيو-أمريكي” وخاصة بالتشكيك في تفاؤل الإرادة الذي أنتج لحظة -ارجل- “dégage”… وثانيا بترذيل أي صاحب فكرة أو طارح التساؤلات أو مشكّك في نجاعة المسار… تجريم مُدوّنين بعينهم وتخوينهم ونعتهم بـ”الثورجوت” و”يجلسون على الربوة” و”ما تفهموش” و”تابعين إيران” و”مووومانعين” و”تابعين حزب الله”… وكان لزم يقع استعمال الأعراض (كما وقع مع سامية عبو) والمسائل الشخصية والكذب بغاية التقزيم والتشكيك… من أجل فرض واقع التسطيح. ويُصبح وضعنا أمّا التسطيح أو الصمت بحجّة “ابعد على البلاء” وناس ما عادش تقبل “تطييح القدر”…
•••
مُقاومة الوعي الزائف هي أمّ المعارك…

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock