تدوينات تونسية

سعاد عبد الرحيم وليلة القدر

نور الدين الغيلوفي
1. في مناسبة سابقة قال رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي وريث البورقيبية قولته الشهيرة في تعليق على السيدة محرزية العبيدي “ماهي إلّا مرا”.. وكان بتصريحه ذاك قد دشّن للشعار الشهير الذي رفعته “حراير” تونس وقتها “المرا التونسية ماهيش محرزية”.. ولو قلبنا الشعار لوقفنا على العقليّة الإقصائية الاستئصالية التي نسجته.. فمن معاني شعارهم ذاك “محرزية ماهيش مرا تونسية”.. لأن محرزية العبيدي النهضوية لا تستجيب لمواصفات الماركة النسوية المسجَّلة في دفترهم القديم…
2. ومنذ مدّة اعترض إعلاميّ حداثيّ معروف الاسم من محترفي الكلام على الكلام.. اعترض على كلام عبّرت به مغنية عن موقف لها.. لم يعجبه الموقف فكتب على صفحته (هاكلّي صوتها عورة كانت تسكر معانا في بار.. توة ولات رابعة العدوية).. كلام غبيّ أدان به نفسه وأثار تعاطف الناس مع المغنية التي لم يراع فيها ذمّةً عندما جعل عرضها له هدفا ووشى بها لدى الرأي العام فهتك سترها في وقاحة منقطعة النظير.. ولم تكن لها من خطيئة سوى أنّها رضيت يوما بمجالسته.. هذا إن صحّ قوله.. ولم يصحّ.. ولقد كان من أنصارها، امرأةً، لمّا كانت ترضى به نديمًا لها، أما عندما تخلّت عن ذلك فقد صار لها خصما يتربّص بها الدوائر لأنّها في مذهبه قد خرجت عن الكاتالوغ الذي أعدّه للنساء في زاوية من زوايا عقله المريض…
3. مع واقعة السيدة سعاد عبد الرحيم المرشّحة لتكون شيخة بلدية تونس نسي سدنة الحداثة البورقيبية النوفمبرية كلّ صراخهم باسم المرأة وحريتها وتخلّوا عن عنوان التناصف وتركوا شعار المساواة التي برّأوها من “التكامل” بين النساء والرجال وطلبوها في الميراث.. وارتدّ قائلهم إلى سلفية مقيتة تعيد النساء إلى مربّع الحريم وتختزل السّنَةَ كلها في ليلة واحدة لا اتفاق على تحديدها هي ليلة القدر.. فقد قال المكلَّف بالاتصال في حزب نداء تونس “ما يجيش مرا تكون شيخة مدينة تونس.. ليلة 27 رمضان وفي الأعياد الدينية.. عندنا تقاليد.. malheureusement أحنا بلاد إسلاميّة!!! وعندنا تقاليدنا.. الله غالب أحنا بلاد إسلامية…”.
4. لن أتتبّع سقطات لسان الرجل لأنّه يبدو مضطربا لا يحسن تدوير الكلام ولا الإعلام ولا يتقن التعبير عن مقاصده، ولكنّ من يسمع له يدرك كيف ينشأ التفكير السلفيّ الماضويّ الذي ينفصل عن روح الدين لمن يحسن فهم الدين.. ونستنتج من ملفوظ المسؤول الحداثيّ:
أوّلا: ما دمنا بلادا إسلامية فنحن نستحقّ العقاب.. لذلك لا يمكن أن نسمح بأن تكون مرا “ماهي إلّا مرا” شيخة لمدينتنا.. ولن تكون المشيخة للنساء ممكنة إلّا متى توقّفنا عن أن نكون بلادا إسلاميّة هذا مقتضى تصريح الرجل…
ثانيا: الدين لدى هؤلاء قطعة قماش يفصّلونها كيفما شاؤوا ويجعلون للتقاليد سطوة لا يدّعيها الدين في قطعياته ولا في ظنياته.. الدين متجدّد متطوّر فما الذي يحكم عليه بالتّحجّر؟ وحدها التقاليد تمنع الدين من أن يسيل في التاريخ…
ثالثا: السلفية عمل سياسيّ استبداديّ، بمعنى أن السياسيين هم الذين يجعلون للماضي سلطة يوظّفونها لمصالحهم.. ومن مصالحهم ألّا يعمل العقل وأن يهيمن التقليد.. فهم الذين رسّخوا تقاليد يحتمون بها.. أمّا العقل فأوسع من أوعيتهم.. لقد بحث المكلّف بالاتصال عن حجّة يقنع بها رغبة حزبه في الاستيلاء على مشيخة مدينة تونس، رغم نتائج الانتخابات ورغم إرادة الناخبين، فلم يجد له من حجّة غير الدين يستعمله بفجاجة ظاهرة وهو الذي صرّح زعيمُهُ لأنصاره بأنّ مشروع حركة النهضة مشروع مُعًادٍ للمشروع الحداثي الذي يدافعون عنه باستماتة، ومأتى العداوة أنّه يتخذ من الدين له مرجعيّة…
5. يبدو أنّ سوء تفاهم قد حصل بين الشعب التونسيّ وبين هؤلاء الذين يتكلّمون غير لغته ويقصدون غير ما يفهم.. فلا لغة تجمع بين الناس وبينهم ولا دين ولا انتخابات ولا دياولو.. فليست محرزية العبيدي وحدها مستبعَدة من أن تكون مرا تونسية.. ها هي سعاد عبد الرحيم تلحق بها…

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock