تدوينات تونسية

سليانة وأنظمة الحكم

بحري العرفاوي

لست مؤرخا ولا عالم اجتماع ولكنني معني بشأن جهتي كما أنا معني بشأن الوطن والأمة.

سليانة التي شهدت جبالها معارك ضد الإستعمار الفرنسي لم تجد عناية في دولة الإستقلال بسبب تصنيفها يوسفية ولم تتلق ما يليق بتاريخها من تنمية رغم ما تتوفر عليه من ثروات طبيعية بل أن أحمد بن صالح وزير الإقتصاد والمالية في عهد بورقيبة في منتصف الستينات اتخذ منها حقل تجربة لمشروع التعاضد عام 1967 فجرد الفلاحين الصغار من أراضيهم ومواشيهم ولم يستطيعوا ترميم أوضاعهم إلا بعد سنوات من الشقاء وقد عايشت تلك الفترة وأنا إبن فلاح لم يبق له من قطيع غنمه وأبقاره وكل ممتلكاته إلا أتان وراديو وبندقية صيد.
يوم 20 جوان 1984 فجعت مدينة بوعرادة ومعها ولاية سليانة في أبرز رموزها الحقوقية والسياسية لقد عثر على المحامي الصادق الهيشري جثة متحللة بشقته بباب الفلة وهو رجل صلب عنيد شجاع ومؤسس فرع سليانة للرابطة التونسية لحقوق الإنسان صحبة المحامي المناضل عبد الرحمان الهاني.
أول منظر لشعر الطليعة وأول شاعر من شعراء الواقعية هو المرحوم الطاهر الهمامي ابن سليانة في مجموعته التي نشأنا عليها ونحن تلاميذ بسليانة “الحصار” صدرت بداية السبعينات.
كما أن أول شاعر تلاحقه سيارة شرطة في جبل ريحان المنسي حيث عائلته الفلاحية الآمنة ليتم إيقافه بدهليز منطقة الأمن بسبب مجموعته الشعرية الأولى “النزيف” يوم 2 جويلية 1981 هو الشاعر بحري العرفاوي الذي أجبروه على إمضاء التزام بعدم الإنتماء إلى أي حزب مادام يرفض الإنتماء لحزب الدستور.
في عهد بن علي كانت أول مواجهة شعبية مع قوات الأمن عام 1990 في مدينة سليانة التي تعرض شبابها لحملة إعتقال غير مسبوقة وسط تعتيم إعلامي كبير ولم تنشر الخبر يومها إلا وسيلة إعلامية سويسرية أغضبت النظام وبذل جهده لمعرفة مرسل الخبر وكلف خلية جاءت من العاصمة لتقصي المعلومات.
في الحملة الأمنية ضد الإسلاميين علمت في 1991 من بعض الإخوة والأصدقاء أن أبشع عمليات التنكيل حصلت بسليانة وأسماء المجرمين معروفة لدى الأصدقاء.
في 1994 كان الرجل الشجاع المناضل الحقوقي والعروبي الأصيل المحامي عبد الرحمان الهاني رحمه الله هو من تجرأ ليعلن عزمه الترشح للرئاسة بوجه بن علي الذي ظن أن قد خصى كل الزعماء من خصومه.. كانت سليانة يومها كمقاطعة متمردة فنزل بن علي بطائرته الهلكوبتر بملعب كرة القدم بسليانة ليلقي خطابا في المحشودين وكان متوترا كما لو أنه يقف على منزلق طيني.
بعد 2011 وفي عهد حكومة الباجي وقع إيقاف عدد من شباب سليانة بغير سبب مقنع وتم الاحتفاظ بهم لأكثر من سنة دون محاكمة ودون إستماع لتشكيات عائلاتهم وكنت تكلمت في شأنهم بحضور أحد وزراء النهضة في اجتماع شعبي بدار الثقافة سليانة في شهر أكتوبر 2012 وقلت له حرفيا أنا أبلغك رسالة من أبناء سليانة يقولون لكم لن نكون مجرد خزان انتخابي وأنتم تهينون أبناءنا وقد سلم بعض أهالي الموقوفين مطالبهم للسيد الوزير وكنت حاضرا على المنصة… كانت تلك مقدمات الخروج الإحتجاجي في 2012 والانزلاق إلى الرش الذي كنا قادرين على حله وتلك تفاصيل أخرى.
ليست حمية جهوية ولا عصبية قبلية ولكنها الرغبة في معرفة الحقيقة ومقدمات الظواهر وذاك أمر مهم لفهم المزاج العام للجهات وردود الفعل في المناسبات الإنتخابية أو في الإحتجاجات.
أدعو مؤرخي الجهة ومناضليها ومتخصصي علم الاجتماع أن يفيدوا في هذا المجال بعيدا عن الحسابات السياسية العابرة وبعيدا عن التحريض وعن استغلال مأساة الناس وترفعا عن قاموس اللغو وادعاءات النقاوة والطهورية.
ومن كان قبالة مرآة عاكسة عليه ألا يتفقد ملابسه الداخلية.
••• أقترح على بعض من أبناء سليانة تنظيم ندوة علمية تحت عنوان \ سليانة وأنظمة الحكم
وأقترح من أبناء الجهة \ زياد الهاني \ نجيب البرقاوي \ حسين بوزيان \ رضا الخميري \ سامي الطاهري.
وأدعو لمواكبة الندوة كلا من محمد عبو \راشد الغنوشي \حمه الهمامي \ عدنان منصر \ سالم الابيض.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock