تدوينات تونسية

مقاطعة الإنتخابات من “التياسة” الإنتخابية إلى “النخاسة” الإنقلابية

بحري العرفاوي

قرار مقاطعة الإنتخابات سبق أن اتخذته أحزاب معارضة لبن علي بعد خيبة أملها في إنتخابات 2 أفرل 1989 وما حصل فيها من تزوير فاضح لإرادة الناخبين.
كانت المعارضة المبدئية تحث المواطنين على المقاطعة لإضعاف نسبة المشاركة بما يقيم الدليل لدى المراقبين الدوليين على لا شعبية النظام ولا مقبوليته لدى أغلب التونسيين. وبقدر ما تكون نسبة المشاركة ضعيفة تنتشي المعارضة وتشعر بقدر من الإنتصار على النظام. كان الهدف يومها عزل النظام ورفع الدعم الخارجي عنه وربما طلب المساعدة لاحقا في إسقاطه.

ما كنت لأكتب في الموضوع لولا أن عددا من الأقلام المحترمة كتبت بوضوح تدعو إلى مقاطعة الإنتخابات البلدية وتقدم مبرراتها لدعواتها تلك.
تلك الأقلام لا تنتمي لما اصطلح عليه بـ”الثورة المضادة” بل إنها من المنافحين عن روح “الثورة” ومن المتصدين لعودة رموز النظام القديم ومن المعترضين على توافق بين “الضحية” و”الجلاد”.
الدعوة لمقاطعة الإنتخابات كانت مفهومة في عهد بن علي لغياب الثقة في النظام ولثبوت التزوير في أول إنتخابات تحمس لها التونسيون في 2 أفريل 1989.
ولكن يمكن أن نسأل أصدقاءنا وصديقاتنا الأعزاء عن سبب دعوتهم اليوم إلى مقاطعة الإنتخابات في زمن “الثورة” وفي ظل فائض من الحرية والشفافية والجرأة والشجاعة والوضوح ؟
ليس ثمة من خوف من التزوير بمعناه التقليدي وليس ثمة تهديد للمقترعين ولا وجود لسلطة قوية يخشاها الناس ويتوجسون ردود فعلها فلماذا إذن يدعو أصدقاؤنا وصديقاتنا من المنظرين لـ”الثورة” إلى مقاطعة الإنتخابات ؟
قرأت ما مفاده أن المشاركة في هذه الإنتخابات هي مساهمة في استمرار وضع سيء وفي إدامة حكم قوى سياسية لم تكن أمينة على “الثورة” وعلى دماء الشهداء ولم تحقق للناس إنتظاراتهم ومطالبهم.
هل يمكن معالجة خطأ بخطيئة؟ هل يمكن معاقبة الديمقراطية إنتقاما من خصوم سياسيين؟ وهل يمكن التفريط في المتاح المؤكد طمعا في المأمول المستبعد أصلا.؟
نحن لا نناقش من لا مصلحة لهم في الإنتخابات ولا في الديمقراطية ولا في خطاب “الثورة”، إذ لا نتوقع منهم غير تمني الفوضى وإعادة خلط المشهد.
نحن نناقش أصدقاءنا وصديقاتنا من عشاق الحرية ومن منتجي معاني “الثورة” وقيم العدالة والتعايش والأمل.
التفريط في المتاح -وإن كان قليلا ولسنا نملك عنه بديلا- قد يكون عملا إنتحاريا وفتح الأبواب لمجهول لا نتحكم به ولا نملك تقديرا لمترتباته.. كان يمكن الدعوة إلى مقاطعة حزب بعينه أو أحزاب معينة والدعوة لأحزاب أخرى وذاك من مقتضيات الديمقراطية وتجليات الحرية واستحقاقات المواطنة دون الذهاب إلى موقف عدمي من المسار برمته رغم ما فيه من معايب وما يعتريه من عثرات وحتى إنبطاحات.
في زمن بن علي كان الناس يتندرون بـ”التياسة” الإنتخابية ويقصدون من يشارك النظام مسرحياته الإنتخابية يضفون عليها مشروعية مفقودة تماما كتياس الحيل الفقهية لاستحلال مطلقة الثلاث دون أن يدخل بها… كنت كتبت عنهم في انتخابات 2009 مقالا بجريدة الموقف وصفتهم بمرشحي المؤانسة لا المنافسة.
ونخشى اليوم أن نمهد بحسن نية وسوء تقدير “للنخاسة” الإنقلابية. إذ لا بديل عن المسار الديمقراطي إلا المسار الفوضوي وما يفتح عليه من مسار إنقلابي أو إحترابي لا قدر الله.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock