تدوينات تونسية

وزير التربية ما ضرّ لو كان سكت ؟

نور الدين الغيلوفي
1. لست، حين أكتب، أصدر عن غير نفسي ولا أقول سوى قناعتي ولا أحد يملي عليّ قولا وليس لأيّ جهة أن تحملَني على رأي لا أراه.. كلّ الذي أبتغيه أن أكون منسجما مع قناعاتي وفيّا لما أريد بعيدا عن كلّ وصاية.. هذا، حتّى لا يستسهل أيّ قارئ نسبتي إلى جهة بعينها وحتى لا يذهب أحد إلى عَدِّي في حكماء قبيلة من القبائل أو ضمن عامّتها.. فجميع القبائل ما عادت تسعني وأظنّ أنّ لي سهما في كلّ قبيلة منها.. هذه مواقفي كما تنفعل بها نفسي يوافقنيها البعض ويردّها عليّ البعض الآخر ولا أجد في ذلك ضيرًا.. لا أدّعي لها العصمة ولا أُكْرِهُ عليها أحدًا.. والإختلاف عندي مهما كانت درجته أوسع من مضائق الإتفاق…
2. السيد حاتم بن سالم وزير عائد.. عُيّن في سنة 2008 وزيرًا للتربية، وظلّ في منصبه حتى أطاحت به الثورة، كما أطاحت بغيره من جميع مفردات طاقم الرئيس المخلوع من الوزراء حتّى الخفراء.. ظلّ الرجل، وقد داهمته سيول الثورة، مختفيا عن الأنظار حتّى بلغت وزارة التربية من أزماتها التي لا تنتهي حدّا لجأت فيه إليه ليعود إليها من الباب الكبير محفوفا برضا الكافّة إذ لم يعترض عليه من “القوى المعتَبَرة” أحد فيما أعلم…
3. لك أن تقول ما شئت في أداء قيادة جامعة التعليم الثانويّ العامّة، ولكن ليس لعاقل أن يقارن باستبداد السلطة السياسية شيئا.. ومهما “تغطرست” منظّمات المجتمع المدني فإنّها تظلّ مضادّا حيويا ضروريا يحول دون عودة السلطة السياسية إلى تغوّلها.. لأنّ تغوُّلها من المُهلكات.. ومهما فعلت القيادات النقابية ومهما كان من أخطائها فإنها تبقى عينا ساهرة على حقوق الناس بالقوّة إن لم تكن بالفعل.. إذن فلا خوف من أن يكون الاتّحاد العامّ التونسيّ للشغل، بمختلف هياكله وقياداته، قوّةً ضاربةً في البلاد تفاوض من موقع الندِّية، دفاعا عن حقوق الكادحين، ما دامت تسيّره عقول راجحة لا تستهدف غير مصلحة الوطن والذود عن كرامة الناس.. وحتّى إن استوطنه سياسيون تركوا خيامهم لضيقها وجعلوه درعًا لهم يبقى هو الخيمة الجامعة المانعة التي تجير كلّ من استجارها، وهؤلاء في جوارها.. لذلك ليس من المعقول أن نُستَدرج إلى تشويه منظّمة هي مكسب وطنيّ لا نظير له مهما كانت أخطاء القائمين عليها…
4. لقد حملت بعض شبكات التواصل الاجتماعيّ تدوينة نُسبت إلى السيد وزير التربية جاء فيها: (الدولة لم ولن تركع ولأي كان… عاشت الجمهورية.. عاشت تونس).. ولمّا وردتني التدوينة فزعت فيها بآمالي إلى الكذب خاصّة لمّا علمت بأنّ السيد الوزير العائد حائز على درجة الدكتوراه في القانون يعرف مفهوم الدولة ويحسن تدوير الكلام.. ولا يرمي، إذ يرمي، إلّا وهو يعي ما يقول.. بحثت فلم أجد للقولة أثرا على الصفحة التي تحمل إسم الوزير.. ولكنّ لي عندها وقفة نَصًّا مات مؤلِّفُهُ.. والنصّ يحمل على التفاعل معه حتّى متى نُظر إليه في ذاته…
5. (الدولة لم ولن تركع ولأي كان… عاشت الجمهورية.. عاشت تونس).. لقد أخطأ الرجل ثلاث مرّات في تدوينته.. الأولى أنّه لَحَنَ في لغته لَحْنَيْنِ إثنين، وهو على رأس وزارة تربية في دولةٍ “العربيةُ لغتُها” (الدولة لم ولن تركع ولأي كان).. ولكنّنا قد نقبل أن نتجاوز عن لحن في العربية يأتيه رجل تعليمُهُ فرانكفونيٌّ، وقد لا ننقم عليه ضعف كفاياته العربيّة، فالعربية في هذه البلاد معطوبة إلى حدّ بعيد.. وأنصارها يحتاجون لأجلها عناية مركَّزة طويلة المدى لتستردّ عافيتها.. ولست أرى لها تعافيا في منظور المدى…
6. أمّا الثانية فتحملنا على التساؤل عن الدولة ما هي؟ ومن الذي يحقّ له أن يتحدّث باسمها؟ وهل يحتكرها وزير تابع لجهاز تنفيذي في نظام جمهوريّ قرّر القطع مع عقلية “الدولة أنا” وجعلها قسمة بين سلط ثلاث تنفيذية وتشريعية وقضائية يراقبها شعبٌ بغثِّه وسمينِه، في سياق ديمقراطيّ بشّرت به ثورة رأس شعاراتها “الشعب يريد إسقاط النظام”.. وحتّى في ظلّ ذاك النظام ما كان للوزير أن يتحدّث باسم الدولة، لأنّه لم يكن سوى موظّف يقف عند أوامر رئيسه ونواهيه ولا يتجاوزها.. ثمّ إنّ الدولة لا تُختَزلُ في أجهزة الحكم منها بل تتّسع لكلّ شعبها.. وما الدولة إن لم تكن دولة الشعب؟ أوَ ليس الاتحاد العام التونسيّ للشغل جزءا من الدولة؟ وهل هو خصم لها أو عدوٌّ يقف في دائرة تهديدها؟ إنّه لئن كان الإتحاد معدّلا للموازين حتّى لا تقلبها السلطة السياسية فإنّه يظلّ عنصرا مساعدا يقيها (السلطة السياسية) عثراتٍ تُكْرِهُهَا عليها إملاءات لا وطنية قد لا ترى منها بُدًّا.. وقتها يكون الاتحاد هو البُدُّ..
7. وأمّا الثالثة فإنّ مقام الوزير يقتضي منه أن يكون جامعا لا محاربا.. ولن يفهم ذلك إلّا متى علم أنّ ما جدّ بين نقابة التعليم الثانويّ وبين الوزارة لم يكن، على الإطلاق، صراعا بين عدوّين نهايته نصر وهزيمة.. فالصراع يستدعي إرادتين تتنازعان الوجود.. ولا أظنّ ذلك يصدق بين وزارة ترعى التربية ونقابة تبتغي حماية المُرَبّين الذين يقومون على تعليم أبنائنا وتنميتهم حتّى ينجحوا في رسم ملامح غدنا الذي نريده ونتجاوز فيه أعطابنا…
8. بقي العمل القوليّ الذي ختم به الوزير تدوينته (عاشت الجمهورية.. عاشت تونس).. عند هذا المستوى من الكلام لا أملك إلّا أن أقول: “ما ضرّر لو كان سكت”…

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock