تدوينات تونسية

تعاطي الإعلام مع أزمة التعليم الثانوي

صالح التيزاوي
لا حديث هذه الأيّام في وسائل الإعلام وفي المجتمع عموما إلّا على ما بات يعرف بـ “أزمة التّعليم” التي انطلقت مبكّرا منذ بداية الموسم الدّراسي على إثر مطالب مهنيّة رفعتها الجامعة العامّة لوزارة التّربية التي تعاملت معها بعدم اكتراث أدّى إلى حجب الأعداد ثمّ إلى تعليق الدّروس. كلّ ذلك وسلطة الإشراف تبدي استخفافا بمطالب الأساتذة وكأنّ الأمر لا يعنيها. بل كانت تمارس سياسة الهروب إلى الأمام ولا تتقن غير منطق التّهديد والوعيد: منطق نحسب أنّه زال بعد الثّورة.
كيف تعامل الإعلام مع هذا الملفّ ؟
لئن أبدى بعض الإعلاميين الشّرفاء تفهّما لمطالب المربين بل دافعوا عنها واعتبروها مشروعة ولئن أبدى البعض الآخر نوعا من الحياديّة حيث اكتفى بعرض وجهتي النّظر فإنّ آخرين لجؤوا إلى ترذيل المربّين وتشويه تحرّكاتهم ومارسوا التّحريض ضدّهم (قناة الحمار وجماعة عرض الظّهيرة). فما هي أسباب تحاملهم على الجامعة العامّة للتّعليم الثّانوي وعلى الأساتذة عموما؟
بداية، تلك الوجوه الإعلاميّة كانت ضالعة في تخريب الثّورة حيث مثّلت ذراع الثّورة المضادّة ومخالبها وقد نعتها البعض بـ”المليشيات الإعلاميّة” وأغلبها كان مرتبطا برجال أعمال متنفّذين
في البلاد. لعب هؤلاء دورا قذرا إبّان حكم التّرويكا في التّحريض على الإحتجاجات والإعتصامات والإضرابات لإرباك الوضع السّياسي والإقتصادي في البلاد. فما الذي تغيّر اليوم ليجرّموا احتجاجات الأساتذة ويحرّضوا على الأساتذة وعلى هيكلهم النّقابي؟
لقد انتعشت آمال المنظومة القديمة بعودة سريعة إلى المشهد السّياسي بعد فوز نداء تونس في انتخابات 2014 وبات يقينا لديهم أنّ تصفية الثّورة وآثارها أمرا لم يعد مستحيلا.، وحتّى يتمّ ذلك كان لابدّ من القضاء على كلّ نفس ثوري يمكن أن يبقي على الثّورة حيّة ولو في الأذهان. هذا النّجاح السّريع وغير المتوقّع مازال يغري الإعلام النّوفمبري (شباب سبع نوفمبر سابقا) بتحجيم دور الإتّحاد من خلال كسر الجامعة العامّة للتّعليم الثّانوي التي تكوّن عموده الفقري. لم يعد خافيا على أحد أنّ مطالب الأساتذة لا تشكّل معضلة وليست تعجيزيّة كما يسوّق إعلام
المال والأعمال والعلاقات الزّبونيّة. وإنّما أُخذت كرهينة لإبرام “صفقة العام” مع المركزيّة النّقابيّة:
تلبية بعض المطالب وإن بشكل لا يرتقي إلى طموحات الأساتذة (فتات) مقابل موافقة قيادة الإتّحاد على بيع بعض المؤسّسات التي تقول الحكومة إنّها تمرّ بصعوبات ويرى آخرون أنّ بيعها يعدّ استجابة لوصفة البنك الدّولي.
يتبيّن ممّا سبق أنّ حفنة الإعلاميين الذين قادوا حملة التّشويه ضدّ الجامعة العامّة للتّعليم، ينوبون عن تحالف المال والأعمال والسّياسة الذين يمثّلون خيار الخوصصة في البلاد.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock