تدوينات تونسية

سؤال … في الدّولة !

بشير العبيدي
#رقصة_اليراع
أستاذ، لماذا أنت ضدّ “الدولة الإسلامية” (داعش)؟
لأنّنا لا نحتاجُ دولةً “إسلاميةً” ! ولا نحتاجُ أيضاً دولةً “علمانيّةً”، ولا نحتاجُ دولةً “عرقيّةً” !
عجيبٌ … كيف لا نحتاجُ دولةً إسلاميةً ؟ لقد فاجأتني جدّاً !
نعم، لا نحتاجُ دولةً إسلاميةً ولا علمانيّةً ولا غيرها، نحن نحتاج فقط “دولة” بمعايير “دولة” في عصرنا الحاضر!
أليستْ إن كانت دولةً و “إسلاميةً” يكونُ أحسن؟
كلاّ. لأنّها حين تكون “دولةً”، ستكون بالضرورة “إسلاميةً” من دون أدنى حاجة لتسميتها كذلك!
وكيف تكون “دولة” حينئذ؟
تكون “دولة” حين يبلغ شعبٌ من الشّعوب درجة كافية من النضج في التحضّر، تجعلهم يقتنعون جماعيا بضرورة وجود مفهوم مجرّد يحكم وعيهم الجماعي، لكي يكبح جماح أنانياتهم بالعدل، ويمنعهم من ظلم بعضهم البعض.
فإذا ترسّخ ذلك الوعي الجماعيّ، يثمر أمرين :
الأول : قبولهم بالحرّية للجميع كأرضيّة غير قابلة للتفويت تحت أي ظرف كان.
والثاني : هضمهم للتنوّع واستعدادهم التام لإدارة الاختلاف البشري وركنه الرّكين القبول بالتداول السلمي على الاحتكام للشعب.
هنا، تنشأ الدّولة خادمة للمجتمع مقابلة خضوع المجتمع لنظمها وقوانينها. أي : الدولة تخدم، والمجتمع يخضع. فتصبح الدولة عادلة لأنها إن لم تفعل فقدت خضوع الناس لها.
فإن أقامت هذه الدولة العدل، قام الإسلام مع العدل بالتبع، لأن العدل هو أمر إلهي خالص، ولأنه أمر إلهي فهو تطبيق إسلامي بالضرورة.
ولكن لا بأس أن نسميها دولة “إسلامية”!
كلّا. إذا تسمّت هذه الدّولة باسم الإسلام ارتكبت مفسدتيْن :
أولاهما، إن أخطأت في تطبيقاتها واجتهاداتها، تحمّل الإسلامَ وزرَ أخطائها،
وثانيهما، إن تسمّت بالإسلام حادت عن المطلوب منها في الشريعة. لأن المطلوب من الحاكم في الشريعة هو إقامة العدل، الذي هو عمود الإسلام، لا مجرّد إطلاق الإسم كما نراه في دويلات اليوم.
ولماذا لا يقوم العدلُ في بلادنا حتى تقوم هذه الدّولة؟
لأن الجماعات البشريّة التي تدين بالإسلام في هذا الزّمان، جعلها الاستبداد لا تفهم في الدّولة ولا في العدل ولا في الإسلام، بعد تشويه ثقافتها وتزييف وعيها. المسلمون العرب خاصة لا يفرّقون بين مفاهيم “الدّولة” و”الحكومة” و”الحاكم” و”النظام” و”السلطة” و”الملك العام” و”الملك الجماعي” و”ملكية المسلمين”، فهذه مصطلحاتٌ كلها لا تعني أي فرق في وعي جماهير المسلمين الْيَوْم، وكلها في نظر النَّاس “مرادفات” لأنّنا حيال أساليب في ممارسة الحكم أقرب لحكم العصابات من أي شيء آخر، وهذا في جميع البلاد العربية تقريبا. الناس في بلادنا حين يعتبرون ما هو خارج أبواب منازلهم لا يعنيهم بالمرة. إنه “للحاكم”!
لماذا هم يَرَوْن الأمور هكذا ؟
لأن الاستبداد والظلم طغى على كل شيء فأفسده منذ قرون عدة، وانتشر الجهل وانحسر الفهم وضعف التعليم وكثرت الخلافات التي عمّقها الطغيان، والنَّاس يظنون أن الحاكم هو الدولة وهو السلطة وهو النظام وهو الملك العام.
لي شك في هذا التحليل ! لم يقنعني !
لك أن تجرِّب بنفسك : خذ ورقة وقلما، وقف في أي شارع من شوارع المدن العربية، واسأل عددا من المارة أن يعطوك تعريفا للدولة. سيجيبونك : الدولة؟؟ هي الحاكم، أي الرّئيس، أي النظام، أي السلطة، أي الحكومة، أي الملكية العامة !
وإذا ميّز الناس بين هذه المفاهيم يعني كلامك خطأ ؟
الشعب الواعي يميّز أنّ حاكمه خادمٌ. والشعب الجاهل لا يميّز أنّ حاكمه مستبد ظالم وربما يرى ذلك أمراً عادياً. وهنا طرف الخيط : الناس في بلادنا العربية يعتبرون الدولة هي ملك الحاكم لا ملكهم هم كمجتمع، ويوم تنقلب هذه المعادلة ويؤمن الناس أن الدولة هي الملك المشترك للمجتمع ستقوم دولة العدل في بلادنا ! ودولة العدل المعاصرة هي خلاصة التراضي بين الناس وليست خلاصة القهر كما كان الأمر في ما مضى من الزّمان.
✍?  #بشير_العبيدي | ذو الحجة 1438 | كَلِمةٌ تَدْفَعُ ألَمًا وكَلِمةٌ تَصْنَعُ أَمَلاً |

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock