تدوينات تونسية

إلى إخوتي الأساتذة، مرة أخرى وأخيرة

عبد اللطيف علوي
(من كان صدره ضيّقا حرجا، فليبتغ غيرها سبيلا)
لي فيكم إخوة وأحبّة يعلم الله أنّي لا أبيعهم بملك سليمان، ولذلك تردّدت كثيرا في الكتابة في هذا الموضوع، حرصا على ودّ سبق ومراعاة للزّمالة وكي لا يقرأ كلامي بخبث النّيّة، فيوضع في سلّة المزايدين والمشيطنين وحتّى البنفسجيّين.
أمّا وقد فتح الباب على مصراعيه على سوء الفهم والتّأويل، العفويّ والمتعمّد، فإنّه صار لا مندوحة من التّوضيح وتنقيط الحروف.
أنتم تريدون أن تصوّروا الأمر بالسّيف وبليّ الذّراع على أنّه لا يوجد في هذه الدّنيا خيار ثالث، إمّا أن تساندني في الغايات والوسائل كلّها بلا أيّ تحفّظ أو احتراز، وإمّا فأنت ضدّي وتشتغل مع الجوقة. إمّا أن تكون لسعد اليعقوبي بالتّمام والكمال أو أن تكون حاتم بن سالم بلحمه وشحمه. إمّا أن تكون يعقوبيّا غيفاريّا أو أنّك بنفسجيّ تجمّعيّ مأجور للتّشويه.
طيّب، وماذا أفعل أنا إذا كنت أريد أن أكون نفسي، لا هذا ولا ذاك.
وشنوّة نعمل في عمري إذا كنت أساندكم بالكامل في مطالبكم وأهدافكم، لكنّني لا أتّفق معكم في الوسائل وفي التّوقيت؟ هل أعتبر خائنا عندها ويجب الحجر على رأيي؟
أنتم اخترتم طريقة تحرّك ليست محلّ إجماع، ومن الطّبيعيّ أن يختلف النّاس معكم في تقدير المصلحة من هذا الأسلوب، ومن الطّبيعيّ أن يوجد من بينهم من يريد شيطنتكم فعلا ويزايد عليكم، ولكن ليس الجميع ينقدونكم من منطلق الشّيطنة، وليس الجميع أعداء لكم، وليس الجميع تستطيعون أن تزايدوا عليهم بالثّوريّة والوطنيّة.
ما ألاحظه هو هذي الحالة الغريبة من التّشنّج والعدوانيّة في الرّدود، والقصف الجماعيّ والعشوائيّ لأيّ رأي ينقد أسلوبكم في إدارة المعركة (أقول الأسلوب وليس الحقوق الّتي تطالبون بها)، هذا لا يقدّمكم للنّاس إلاّ في صورة موتورين قطاعيّين متعصّبين تضيق صدورهم حتّى عن الّذي يقف معهم في نفس الصّفّ، ولكنّه يرى في الطّريق ما لا يرون.
لم يعد الأمر بالنّسبة إليّ يتعلّق بشرعيّة المطالب الّتي ترفعونها، فلا أحد يستطيع أن يزايد عليكم في بلد النّهب والسّلب الجماعيّ، الجميع ينهبون لكنّهم حين يتعلّق الأمر بغيرهم من القطاعات يتحوّلون بقدرة قادر إلى وعّاظ ومصلحين. أنا أتحدّث عن شيء آخر مختلف تماما. أن تحترموا حقّ غيركم في أن يختلف معكم دون أن تشيطنوه، أنتم ضحايا للشّيطنة لكنّكم في نفس الوقت تسارعون إلى شيطنة كلّ من يبدي لكم غير ما ترضون، حتّى وإن كان لكم ناصحا أمينا.
الحقّ والمنطق والعدل لا يدار بالعقليّة القطاعيّة ولا القطيعيّة، فكلاهما وجهان لعملة واحدة.
البارح، جاءتني إرساليّة من ناصح، يدعوني إلى أن أعتذر للأساتذة، فبهتّ. هل صار مجرّد الاختلاف مع أحد في هذا البلد مدعاة للاعتذار ويستوجب الكفّارة.
انتبهت فعلا إلى أنّني أحتاج فعلا إلى الإعتذار، ولكن الاعتذار من نفسي وليس من الأساتذة، لأنّني جبنت عن إبداء الرّاي في أمر أؤمن به حرصا على صداقات مشروطة. ومن كان حبّه مشروطا بالولاء فلا خير في حبّه ولا في ولائه.
عندما نصل إلى مرحلة، نتصوّر فيها أنّ نبل الأهداف يغني عن مناقشة الوسائل مهما كانت، وأنّ كلّ قطاع من حقّه المطلق أن يحدّد بمفرده ماهي الوسائل المشروعة ولا يقبل في ذلك نقاشا ولا اختلافا، فهذه مأساة، ويجب على المثقّف فعلا أن يحتكم إلى ضميره عندها، ولا يخشى فيما يؤمن به لوما ولا تأثيما.
سلام يا دفعة!
#عبد_اللطيف_علوي

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock