تدوينات تونسية

هل كان بن علي دكتاتورا ؟

شوقي الشايب

بعد مرور هذه السنوات على ثورة الشعب التونسي ضد نظام بن علي، ولأننا أمام انتخابات بلدية طاحنة تنحت التصور العام للمشهد السياسي في تونس وجب علينا التساؤل: هل كان نظام بن علي نظاما قمعيا إستبداديا أم لا ؟!

إن كان لا، وكان هذا النظام ديمقراطي ينعم فيه الجميع بالحرية والاستقرار فلماذا كان تغييره بالحجارة وليس بالإقتراع (فقط من باب الأمانة ليس إلا وكلنا نعلم حقيقة الإجابة).
أما إن كان نظاما قمعيا اقتلع جذور العمل السياسي وصادر الحريات الفردية والجماعيه (وهو ما كان عليه)، فإننا أمام حقيقتين.
الأولى: أن الشعب الذي غيبت عنه السياسة وتفاصيل العمل السياسي لمدة أكثر من ستين سنة هو شعب لم يبلغ درجة نظج تسمح له بالتعاطي معها بمفهومها المعقد من كونها نظام حياة وأساس العيش، وأنها أولى إهتماماته بالضرورة لتحديد مستقبل الأرض والنسل والعرض والفرض… وتصبح الجملة الإنتخابية الشهيرة (لقد بلغ الشعب التونسي درجة من الوعي: هي إما كذبة صريحة أم أنها اعتراف بأن بن علي كان حاكم عادل)… وهذا ما يجعل بالضرورة من الإنتخابات في تونس ذات طابع مختلف عما نقرأه في كتب العلوم السياسية التقليدية، ويجعلها حالة فريدة صعبة التفسير والتحليل، إذ هل من المعقول مثلا أن إبان الثورة المباركة يتحصل أحمد نجيب الشابي على صفر فاصل، وكمال مرجان وحزبه على عشرة مقاعد ؟. أليس من المضحك أن ترى أحمد نجيب الشابي يقود حملة إنتخابية على الطريقة الأمريكية (جورج بوش كان يلبس قبعة كاوي بوي في تكساس وقميص ملون في لاس فيغاس، وتنتشر صوره على الحافلات وومضات إشهارية ومقابلات تلفزيونيه مع ستيف هارفي مثلا)… وهو ما لم يستسغه الشعب الذي جففت من حوله منابع السياسة، ونجح مزود وزكار الهاشمي الحامدي ولاقى تناوله كسكروت كفتاجي كل الرواج…
ثانيا: كل ما نعلمه عن السياسة وكل ما درسناه يتحطم مع حالة الشارع التونسي الفريدة، وللاختصار فإن تونس تقوم على ثلاث واجهات رئيسية:
1. الإسلام السياسي عموما وهي الأحزاب التي تقوم على العهد والولاء وتكون منظمة جدا وذات طاعة إنتخابية دقيقة وهو ما يحميها من حالة النفور الإنتخابي والسلبية السياسية.
2. أحزاب أو حزب يقدم نفسه بديل الإسلام السياسي فقط، هكذا بدون أي شى سوى أنه الوريث الشرعي للإرث البورقيبي وهذا حزب كبير نسبيا وذو تهافت علماني حداثي عدائي، يقوم على الوصولية والبراغماتية النفعية، ويمكن تفككه في أي حين.
3. أحزاب دز تخطف وهي الأحزاب المتبقيه في تونس والتي منها أحزاب حقيقيه ذات تاريخ ومرجعيه ايديولوجية ، ونقيضها من الأحزاب الصغيرة. في بعض الأحيان ما تقتلع مكانا هنا او هناك ولكن بدون جذور حقيقية تسمح لها أن تبقى في المشهد كل حين، وتؤثر حالة البرود التي يعيشها الشارع على نتائجها وتهدد حضوضها.
باختصار، ولتوضيح المشهد سأظرب مثلا لزيارة جون ماكين لفرنسا في موفى 2012 : حين تحدث وزير الخارجية الأمريكي باللغة الفرنسية حينما رحب بالرئيس الفرنسي والحضور ثم سريعا تكلم بلهجته الأمريكية والإنجليزية ليقول كلمته، ويوم الغد كتبت جريدة لو فيغارو : “لقد أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية رسالة من هنا لكل العالم بأن أمريكا دولة منفتحة على الجميع ولكنها الدولة الأم في هذا العالم”.. هكذا كانت الترجمة السياسية لما اعتقدته مزحة، وهكذا ما تكون السياسة عامة. أما في تونس فالأمر مختلف ويبقى بن علي وإرثه هو المسبب الرئيس لما نحن فيه من تصحر سياسي ومن هرطقة إعلامية وغوغاء حزبية.

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock