تدوينات تونسية

ضرب التعليم العمومي يتم من داخل الوزارة

ليلى حاج عمر
بعد أن قرأت لمثقفين ينعون التعليم العمومي ويدعون إلى الاتّجاه إلى الخاص:
التعليم العمومي كان ومازال يحقّق أفضل النتائج رغم الفضاءات المتداعية غير اللائقة والنقص في التجهيزات والإطار.
التعليم الخاص لم يستطع رغم كلّ الأموال التي تضخّ أن يحقّق تفس النتائج في الابتدائي والثانوي. نتائج مناظرات التاسعة والباكالوريا تؤكد ذلك.
كثير ممّا يروى عن التعليم العمومي فيه تضخيم القصد منه زعزعة المؤسسة العمومية وتهيئة الطّريق للخاص الذي يسعى إلى الاستثمار في التلميذ للربح لا لبناء العقول.
درّست أبنائي ودرّست تلاميذ كثيرين (بالمئات) في التعليم العمومي تفوّقوا وحقّقوا نتائج باهرة في تونس وخارج تونس وبرهنوا على كفاءة وقدرات عالية. أذكر منهم وأحيّيهم هذا الصباح الجميل: علاء البجاوي الذي كان الثاني على الجمهورية في الباكالوريا وهو الآن في ألمانيا اختصاص هندسة الفضاء ومروى خلوي طبيبة القلب وابنتي المهندسة.
تلامذتي الذين يتوجّهون للدراسة بالخارج حتى المتوسطين منهم والذين يذهبون على حسابهم الخاص ينجحون في الدراسة هناك. إذن: مازالت المؤسسة العمومية قادرة على العطاء.
هناك سعي منذ ثلاثين سنة تقريبا إلى جعل التعليم في قبضة مافيات وجعل التلميذ مجرّد رقم في معادلة نظام السوق. بفضل كثير من الأساتذة أصحاب المبادئ والرّؤى استطاع التعليم العمومي التماسك ومواجهة هجمة رأسمال الذي قسّم التعليم إلى قسمين: قسم للأغنياء وقسم للفقراء. وفي ظلّ هذا التقسيم تبعثر الوليّ متوسّط الدّخل وتاه بين هذا وذاك وفقد البوصلة. الكثير منهم بعد تجربة الخاص عاد إلى التعليم العمومي. لديّ أمثلة كثيرة.
مؤلم أن يلهث بعض من أوهمونا بالدفاع عن التعليم العمومي وراء الخاص. هؤلاء أشدّ ضربا له.
مؤلم أن يتولّى بعض المنتمين إلى أحزاب تدّعي الدّفاع عن الفئات الضعيفة الاستثمار في التعليم. اتركوا الاستثمار لأصحابه.
ضرب التعليم العمومي في تونس يتمّ من أطراف داخل الوزارة نفسها. هم في خدمة الخواص من خلال شبكة علاقات ومصالح.
في نماذج الدول الأكثر نجاحا في التعليم، الدولة هي التي تتولى شأنه ولا يترك أمره لعبث الخواص. فلندا نموذجا.
علاج ظاهرة الانقطاع (قرابة 100 ألف تلميذ كل سنة) يحتاج مراجعة للمسارات والمسالك الكبرى واستعادة التعليم المهني قيمته وفتح آفاق جامعية له. هذا سيقضي على جيش من المنقطعين اليائسين وسيتيح تقنيين مختصين من طراز عال.
التعليم العمومي سينقذه أبناؤه الذين يعملون بصمت ويعطون الكثير دون مقابل (وما أكثرهم) ويعتبرون ما يقومون به بناء للأرواح والعقول لا ابتزاز أو مزايدة.
تحيّاتي للعاملين العاملين.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock