تدوينات تونسية

الحبر الإنتخابي ومليون بطاقة تعريف وهمية

نبيل اللبّاسي
قرار التخلي عن استخدام الحبر الانتخابي خطأ كبير تقع فيه الهيئة الحالية للانتخابات.
الأسباب التي دعت لاعتماد الحبر في انتخابات 2011 و2014 لم تتغير، بل أكاد أجزم أن مخاطرها قد ازدادت بعد تبني خيار تشريك الأمنيين والعسكريين في العملية الانتخابية،،ـ
فلماذا يقع تغيير الموقف دون التشاور لا مع المنظمات المختصة في مراقبة الانتخابات ولا مع الأحزاب المشاركة في الانتخابات البلدية ولا مع الخبراء في مجال الانتخابات؟؟؟

أم أن أعضاء المجلس الحالي للهيئة كانوا أكثر حكمة وذكاء من أعضاء المجالس التي ترأسها السادة كمال الجندوبي وشفيق صرصار فاكتشفوا من دون العالمين أن الحبر خاص بالشعوب المتخلفة وأن الشعب التونسي قفز في السنتين الأخيرتين إلى مصاف الدول المتحضرة؟؟؟
ولمزيد توضيح قولي أضيف ما يلي:
أولا. أنه في لقاء بين الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ووفد من منظمات المجتمع المدني خلال التحضيرات لانتخابات 2011، أخبرنا السيد كمال الجندوبي رئيس الهيئة آنذاك عن وجود ما بين 800 ألف ومليون بطاقة تعريف وهمية أصدرتها أجهزة النظام السابق ويمتلكها آلاف الأشخاص؛ تحمل هذه البطاقات صورهم لكن بأسماء وأرقام مختلفة. وقد أصدرها النظام السابق لخدمة مهمات أمنية أو استخباراتية أو مصالح شخصية،،، ولا معطيات لدينا عن هوية من يملك هذه البطاقات.
وبما أن عملية التسجيل للانتخابات تعتمد في أساسها على قاعدة بيانات بطاقة التعريف الوطنية فإن إمكانية أن يسجل ذات الشخص في أكثر من مركز أو دائرة انتخابية بأسماء مختلفة تكون ممكنة ويصعب اكتشافها. لذلك فإن الحل الوحيد لتلافي إمكانية تصويت الشخص لمرتين أو ثلاثة وفي أكثر من دائرة يكون باعتماد الحبر الانتخابي. وقد أيدت كل منظمات المجتمع المدني وقتها هذا الحل.

ثانيا. كان أملنا أن تجد الهيئة حلا لهذه المعضلة خلال انتخابات 2014 وتجتنب الاعتماد الكلي على قاعدة بيانات بطاقة التعريف الوطنية الخاضعة لمصالح وزارة الداخلية لضمان استقلالية عمل الهيئة عن كل الأطراف من جهة ولحماية سجل الناخبين من الاخلالات التي تعاني منها قاعدة بيانات بطاقة التعريف. إلا أن التأخر في تشكيل الهيئة الجديدة للانتخابات ثم التأخر في المصادقة على القانون الانتخابي حال دون ذلك… ورغم اكتشاف خلل إضافي تمثل في عدم امتلاك نصف مليون مواطن تونسي لبطاقات تعريف فقد تواصل اعتماد قاعدة بيانات بطاقة التعريف الوطنية كأساس لكل عملية تسجيل. لذلك بقي اعتماد الحبر الانتخابي الضمانة الوحيدة دون تصويت ذات الشخص لمرتين أو ثلاثة خلال انتخابات 2014.

ثالثا. خلال انتخابات 2018، سيكون للأمنيين الحق في التصويت… وإن كان هناك حوالي مليون بطاقة تعريف وهمية، فسيكون النصيب الأكبر منها لدى عدد من الأمنيين… وبالتخلي عن الحبر فسنفتح الأبواب لاستعمالها… وسنمكن هذا العدد منهم من التصويت يوم 29 أفريل ثم يوم 6 ماي في مراكز ودوائر انتخابية متعددة وبأسماء مختلفة… ولن يتمكن حينها أعوان الهيئة ولا مراقبيها ولا ملاحظي المجتمع المدني من اكتشاف أدنى خلل.
رابعا. قبل الحديث عن إلغاء الحبر باعتباره مظهرا من مظاهر التخلف، علينا في البداية أن نتخذ أحد هذين الحلين:
إما فسخ كامل السجل الانتخابي الحالي وإعادته على قواعد جديدة بعد فصله نهائيا عن قاعدة بيانات بطاقة التعريف الوطنية، وهي عملية ستتطلب منا سنوات من العمل والجهد وتكاليفها تتجاوز بأضعاف تكاليف الحبر الانتخابي.
وإما تغيير جميع بطاقات التعريف الحالية باعتماد بطاقات تعريف بيومترية غير قابلة للتزوير، على أن يكون لكل بصمة (وليس لكل إسم) بطاقة تعريف واحدة، وتكون قاعدة بيانات بطاقة التعريف خاضعة لمراقبة القضاء لحمايتها من كل تلاعب أو سوء استعمال.
أما دون ذلك، فعلينا بالاحتفاظ بحلول الدول المتخلفة، لكنها دول حريصة على احترام مبادئ الديمقراطية ونزاهة الانتخابات.
اعتبارا لكل ذلك، فإني أؤكد أن التخلي عن الحبر الانتخابي سيكون خطأ فادحا وتبعاته قد تكون وخيمة، ليس على الهيئة فقط، بل على مستقبل الديمقراطية في بلادنا…

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock