مقالات

قصّة صراع شرس بين يوسف الشاهد وبين لطفي ابراهم

عبد اللّطيف درباله
حقيقة وخفايا ما وراء أزمة التعيينات الأمنيّة: قصّة صراع شرس بين رئيس الحكومة يوسف الشاهد وبين وزير الداخليّة لطفي ابراهم..
الأزمة التي حصلت في الأيّام الأخيرة فيما يخصّ التعيينات بوزارة الداخليّة بين الوزير لطفي ابراهم وبين رئيس الحكومة يوسف الشاهد ليست جديدة ولا طارئة.. ولكنّها تشتعل منذ مدّة داخل الحكومة بشكل غير معلن.. وما حصل الآن هو فقط اندلاع شرارتها بما أظهر نارها لعموم الشعب التونسي.. !!
فوفقا لمصادر سياسيّة وأمنيّة مختلفة ومتطابقة.. فإنّ أزمة حادّة بدأت منذ تعيين لطفي ابراهم وزيرا للداخليّة بينه وبين رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي كانت خلافاته مع ابراهم انطلقت في الواقع منذ أن كان آمرا للحرس الوطني.. قبل أن يفرض تعيينه بالمنصب الوزاري السامي رئيس الجمهوريّة الباجي قايد السبسي.. محقّقا استثناء لم يحصل منذ سنوات طويلة جدّا في تونس.. بتسمية أمنيّ لا يزال في الخدمة على رأس وزارة الداخليّة.. وتحديدا منذ تسمية الحبيب بورقيبة لزين العابدين بن علي وزيرا للداخليّة.. !!
نظرا لعدم مرور التيّار بين رئيس الحكومة وبين وزير الداخليّة.. فقد عمل كلّ منهما على محاصرة الآخر وعرقلة عمله..
الشاهد استعمل من جهته سلطاته كرئيس للحكومة يعطيه الدستور سلطة تسيير السلطة التنفيذيّة مثل الإشراف على عمل أعضاء الحكومة والوزراء ومراقبتهم ومحاسبتهم.. كما يعطيه صلاحيّة تعيين كبار المسؤولين فيها بمن فيهم المديرين العامّين بالداخليّة..
وابراهم استعمل من جهته خبرته الأمنيّة في وزارة يعرف جيّدا دواليبها.. واستغلّ أيضا الخلاف المكتوم بين رئيس الجمهوريّة السبسي ورئيس الحكومة الشاهد ليأخذ نفوذه وسلطته من الباجي رأسا، وهو يدرك تماما أنّ الشاهد لا يجرأ على عزله وتعويضه من على رأس وزارة الداخليّة دون موافقة الرئيس السبسي الذي يدعمه.. أو هكذا يظهر الباجي له.. !!
وبالتالي لم يكن لطفي ابراهم غير المنتمي أصلا لأيّ حزب مشارك في الإئتلاف الحكومي مهتمّا بترضية رئيسه المباشر وهو رئيس الحكومة.. وذلك لإدراكه أنّ تعيينه وعزله هو بيد السبسي فقط لا الشاهد.. !!
رئيس الجمهوريّة الباجي قايد السبسي من جهته.. وكعادته في المناورة السياسيّة.. حرص على محاصرة قريبه المدلّل يوسف الشاهد بوزراء أقوياء غير متحزّبين ويدينون له هو شخصيّا بالولاء.. ومنهم أساسا وزير الداخليّة لطفي ابراهم ووزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي.. وذلك بعد أن لاحظ أنّ قريبه الشاب “النكرة” الذي أخرجه من المجهول وأهداه رئاسة الحكومة على طبق من ذهب.. دون أن يحلم بها في حياته لأنّه لا مؤهّلات ولا كفاءة ولا خبرة ولا صيت سياسي له أصلا لحكم تونس وإدارة دولة كاملة.. كبرت طموحاته فجأة وبدأ حرب الوراثة مبكّرا قبل أن يحين موعدها.. وغير عابئ بأسبقيّة وطموحات السبسي الإبن “حافظ”..
بعد ممارسة شتّى الضغوطات والتهديدات.. المبطّنة والصريحة.. المباشرة وغير المباشرة.. ضدّ الشاهد.. ومنها الحديث من داخل الحزب الحاكم نداء تونس نفسه عن إمكانيّة عزل الشاهد.. وكذلك إيعاز السبسي لحليفه راشد الغنّوشي زعيم حركة النهضة بمطالبة يوسف الشاهد علنا في حوار تلفزيوني على قناة “نسمة” بالإعلان صراحة أنّه غير مهتمّ بالترشّح لانتخابات 2019 والتركيز على عمله الحكومي عوض خوض حملة انتخابية مسبقة.. أو الاستقالة فورا من رئاسة الحكومة وممارسة السياسة كما يشاء.. بعد كلّ ذلك.. عمد السبسي إلى تركيز ثقل مضادّ لرئيس الحكومة في وزارات السيادة الحسّاسة والقويّة.. واستمتع بأن يرى وزراء الدفاع والأمن يحاصرون قريبه رئيس الحكومة الشابّ المتلهّف على قطف ثمرة السلطة قبل إستوائها.. !!
تفيد بعض المصادر بأنّ يوسف الشاهد وفريقه قد يكونون توجّسوا من أنّ لطفي براهم.. وكرجل أمن ومعلومات واستعلامات.. عمد منذ بداية توزيره إلى الإحاطة بأكثر ما يمكن من معلومات “حسّاسة” و”مفيدة” عن رئيس الحكومة وشلّته من الوزراء وكبار المستشارين المتخندقين معه في قصر الحكومة بالقصبة.. وهم يعتقدون بأنّ ابراهم قد يكون نقل أغلب ما رآه مناسبا منها لرئيس الجمهوريّة السبسي.. واحتفظ لنفسه بنصيب آخر من المعلومات المهمّة (…).. خاصّة وأنّ الباجي وابنه حافظ ومن ورائهما الحزب الحاكم نداء تونس يرون بأنّ هذا الجناح الحكومي الذي يحيط بالشاهد هو الذي صنع القطيعة بينه وبين النداء.. وهو الذي حرّضه وشجّعه على محاولة الاستئثار بالسلطة والانقلاب على أولياء نعمته السبسي والنداء والنهضة.. !!
يضمّ جناح رئيس الحكومة أساسا وفقا لأغلب المصادر.. الوزراء المستشارين إيّاد الدهماني ومهدي بن غربيّة والمستشار النافذ مفدي المسدّي.. وآخرين.. ويبدو أنّهم قد يكونوا استقطبوا أيضا وزير العدل غازي الجريبي..
في المقابل فإنّ وزير الداخليّة لطفي ابراهم تحالف مع وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي..
وربّما كان ثالثهما.. طبقا لمصادر أخرى.. هو رؤوف مرادع مدير الأمن الرئاسي.. والذي يصفه البعض بأنّه عرّاب لطفي ابراهم لدى السبسي..
في الحرب الباردة حينا.. والساخنة أحيانا.. بين الجناحين.. عمل يوسف الشاهد على محاصرة غريمه لطفي ابراهم داخل عرينه في وزارة الداخليّة.. وتصدّى لكلّ محاولات ابراهم فرض تعيين كبار المديرين بالداخليّة باعتبار أنّه في حاجة لفريق عمل متناغم معه لتحقيق نتائج في مهمّته الأمنيّة..
ورفض الشاهد آليّا أيّ اقتراحات من ابراهم في خصوص تغييرات المدير العام للأمن الوطني والأمن العمومي والمصالح المختصّة والشرطة الفنيّة وغيرها..
في المقابل عمل الشاهد على محاولة تعيين مسؤولين أمنيّين يدينون له هو شخصيّا بالوفاء ولا يرتبطون بلطفي براهم.. واتّصل فريقه حتّى ببعض الوجوه المعروفة التي غادرت سابقا وزارة الداخليّة.. لكنّ ابراهم استعمل نفوذه وعلاقاته وسلطته كوزير إشراف ودعم رئيس الجمهوريّة السبسي له لتعطيل تلك التعيينات..
تبعا للمنافسة المعروفة والتي خلقها بن علي بين الجهاز الأمني وبين الحرس.. فإنّ الجهاز الأمني لم يستسغ ولم يتقبّل جيّدا تعيين آمرا سابقا للحرس هو لطفي ابراهم وزيرا عليهم..
لذلك فقد يكون الكثير من قيادات وزارة الداخليّة لم يكونوا متحمّسين للتعاون مع لطفي براهم وفقا لتأكيدات بعض المصادر..
كما أنّ فريقا من قيادات الحرس الوطني نفسه الذي جاء منه ابراهم لم يكن سعيدا بتعيينه وزيرا للداخليّة.. إمّا لخلافات سابقة بينه وبينهم أيّام كان مديرا مثلهم ثمّ آمرا عليهم.. أو لكون ابراهم عيّن خلفا له بعد مسكه للوزارة العميد شكري الرحّالي آمر جديدا للحرس الوطني مكانه.. وهو أقلّ رتبة وأقدميّة من الكثير من المديرين وكبار الضبّاط بالحرس والذين رأوا أنّهم أحقّ بالمنصب من الرحّالي.. وأنّ ابراهم عيّنه فقط لكونه كان مقربّا منه سابقا وليضمن ولاء الجهاز القويّ والفاعل للحرس الوطني له هو شخصيّا..
بين الخلافات الداخليّة داخل وزارة الداخليّة.. وبين من هو مع لطفي ابراهم ومن هو ضدّه.. ومع الخلافات بين الوزير ابراهم ورئيس الحكومة الشاهد.. وفي إطار الخلافات ولعبة التوازنات والمناورات بين رئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة باستعمال وزير الداخليّة.. النتيجة كانت أن أصبحت وزارة الداخليّة شبه مشلولة وفقدت الكثير من فاعليّتها..
رئيس الحكومة يوسف الشاهد من جهته.. وبعد أن صارح السبسي مرارا برغبته في عزل وتغيير لطفي ابراهم.. استغلّ حادثة محاصرة أمنيّين لمحكمة بن عروس.. والأزمة التي اندلعت بين الأمن والقضاء على خلفيّة قضيّة التحقيق مع أمنيّين في تهمة تعذيب.. وبدا له أنّ الوقت والظرف مناسب لتمرير تغييرات وتعيينات تردّد في القيام بها منذ فترة.. فأصدر عشيّة السبت (كعادته) قرارا بتعيين مديرين جديدين.. الأّوّل مديرا عامّا للأمن الوطني.. والثاني مديرا للأمن العمومي.. لكنّ تسريب خبر تلك التعيينات قبل الإعلان عنها رسميّا جوبه في البداية بتسريب مضادّ من وزير الداخليّة ابراهم بأنّه يرفض ذلك التعيين الذي تمّ دون استشارته كما يقتضي العرف والواجب..
لاحقا..
وبعد حديث عن بقاء المدير العام للأمن الوطني توفيق الدبّابي المقال من منصبه في مكتبه ومواصلة ممارسة مهامه بتعليمات من وزيره لطفي ابراهم.. وخروج الأزمة للعلن وتداول الإعلام لها.. خضع ابراهم لقرار رئيس الحكومة وتراجع عن رفضه.. وذلك عبر إصدار بيان رسميّ عن وزارة الداخليّة يعلن فيه عن تلك التعيينات الجديدة..
تمّ هذا التراجع بعد تدخّل حاسم من رئيس الجمهوريّة السبسي الذي أمر الوزير ابراهم بالخضوع لقرار رئيس الحكومة..
ولكنّ السبسي وفي نفس الوقت.. ووفقا لمصادر مختلفة.. نبّه يوسف الشاهد إلى ضرورة عدم اتّخاذ قرارات فرديّة في خصوص المناصب العليا بوزارة الداخليّة مستقبلا دون الرجوع له.. خاصّة وأنّ رئيس الجمهوريّة يشرف على الأمن القومي طبقا للدستور.. وأنّ التعيينات الأمنيّة الكبرى ترتبط بمجال صلاحيّاته.. بقطع النظر عن النفوذ السياسي للسبسي الذي يفوق سلطاته الدستوريّة المحدودة..
ربّما خضع لطفي ابراهم لتعليمات الرئيس السبسي ولقرارات الشاهد التي يرفضها ولسان حاله يقول بأنّه خسر مجرّد معركة.. ولكنّه لم يخسر الحرب مع الشاهد بعد.. !!

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock