تدوينات تونسية

تونس.. نخب الغد ولدت منذ قليل

حسين السنوسي

  1. يلفت انتباهك مقال يتحدّث عن “الشّخصيّة التّونسيّة من حنّبعل إلى بورقيبة” فتقول “لو كان لي أن أختار لما اخترت هذين!”. تحاول أن تجد عنوانا أنسب لشخصيّة تعتقد جازما أنّ عمرها أربعة عشر قرنا. تتردّد في اختيار الأسماء التّي يمكن أن تضعها في العنوان: عقبة بن نافع؟ الإمام سحنون؟ خيرالدّين؟ عبد العزيز الثّعالبي؟ الطّاهر بن عاشور؟ في الأثناء تشغّل التّلفزيون فتجد تونس برجالها ونسائها، بشيبها وشبابها، “متحزّمة وهات يارقص” فتشطب العنوان الذي قرأت وتنسى العنوان البديل الذّي كنت مستعدّا لاقتراحه ثمّ تكتب: “الشّخصيّة التّونسيّة من الهادي حبّوبة إلى شمس الدّين باشا”.
  2. تشاهد البرنامج الذّي تعلمون على القناة التّي تعلمون فترى أربعة وعشرين بائسا يلهثون طمعا في ربح المليار. أربعة وعشرون. بعدد الولايات البائسة في هذا الوطن البائس. منهم من يعود إلى بيته بـ”حارة عظام” أو بـ”قرن فلفل حارّ” ومنهم من يعود بأسوإ من ذلك بكثير: الملايين المملينة من المال الحرام.
  3. تشاهد برنامجا سّياسيّا فتسمع وزيرا سابقا يتحدّث عن “الريفورم” و”الكونسونسيس”. تقول “يرزيك في الريفورم ويرزيك في الكونسونسيس! ما عندكش لغة تتكلّم بيها سيدي ولدي؟”. تلاحظ طبعا أنّ هذا السّياسيّ ليس حالة شاذّة: الجميع في هذا البلد الطّيب يمارس “التقوعير” الحداثي بالفرنكاراب الفصيح، يستوي في ذلك الجامعيّون ولاعبو كرة قدم، الصّحافيّون وفنّانات الدّرجة العاشرة.
  4. تشاهد البرامج الحواريّة فترى حزب الخائفين. أولئك الذّين قيل لهم “أتحبّون أن يفعل بكم ما فعل بغيركم في قاهرة المعزّ؟” قالوا “كلّا” وهم في ذلك محقّون فلا أحد يحبّ أن يلقي بنفسه في المحرقة. قيل لهم “وجب إذن أن تكونوا أقلّ عروبة وإسلاما”. منذ ذلك الحين صار إخواننا يتكلّمون الفرانكاراب ويتبرّؤون من شهداء الأمّة وكدليل إضافي على حسن نيّتهم صاروا كلّما سمعوا اسم الزّعيم يسارعون إلى التّرحّم عليه ويقولون إنّه كان “آن غران تونيزيان”.
  5. ترى وتسمع هذا وغيره فتصدر منك كلمات غاضبة في حقّ وطن نحبّه أكثر ممّا يحبّنا. وطن نحاذر أن يسرقه منّا الماخوريّون والإقليميّون واللّائكيّون المتطرّفون.
  6. تقول لنفسك “أحلم ببلد يؤدّي دوره كهمزة وصل بين الشّرق الذي ينتمي إليه والغرب الذّي تربطه به صلات الجغرافيا والاقتصاد. أحلم بنخبة تجيد كلّ لغات العالم وتدير حواراتها بلغتها الوطنيّة العظيمة”.
  7. مازال في الحلم بقيّة لكنّك تتوقّف عند كلمة “نخبة” وتتذكّر قصيدة “إبليس” التّي كتبها منذ سنوات شاعر لغته أجمل من القمر وصوته أعلى من جبال الإيفريست.
  8. تعود إلى حلمك أكثر واقعيّة وأكثر حزما. هذا البلد يحتاج علما وعملا وأخلاقا. يحتاج تجديدا عميقا في علاقته بنفسه وبمن حوله. يحتاج إلى أن يقرأ “خذ الكتاب بقوّة” و”إنّا جعلناك خليفة في الأرض”.
  9. نخب الغد ولدت منذ قليل. علّموا أبناءكم “لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً” و”يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ”.

https://www.youtube.com/watch?v=Mfj-j7Ggn5o

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock