مقالات

المؤامرة على النهضة… فقط ؟

بحري العرفاوي

وجود النهضة في دائرة القصف هذا مؤكد ومسلم به سواء من قبل خصوم لها في الداخل أو من قبل معادين لها في الخارج.
توافقها مع النداء هو أشبه ما يكون بـ”زواج المكرهة” فلا النهضة تعتقد بأن النداء يُشبهها ولا النداء يعتقد بأن النهضة تشبهه بل أن كليهما موزعٌ بين أكثر من شَبه لاختلاف قراءات المشهد وتقدير الموقف محليا وإقليميا ودوليا.

ذاك التوافق لم يتحول إلى ثقافة على الأقل لدى قواعد ومناضلي الحزبين فما بالك بعموم الشعب ولم يغادر غرفة عمليات الشيخين ونصائح الدوائر الراعية.
تلك الدوائر ليست حريصة على استقرار تونس من أجل التونسيين إنما هي حريصة على مصالحها الأمنية والاقتصادية والجيواستراتيجية نظرا لموقع تونس المهم.
تلك الأطراف الخارجية تظل منتبهة وحريصة على تعديل موازين القوى بَين وداخل الأحزاب بما لا يسمح بإفلات تونس من بين غرفة عملياتها وبما لا يسمح لسياسييها بأن يكونوا أصحاب قرار سيادي داخليا وخارجيا.
تلك الأطراف لا تمارس السياسة بما هي عمل إنساني أو وفاء لصداقة وأُخوة وإنما تمارسها بما هي إدارة للمتناقضات بحثا عن مواءمات مناسبة لتحقيق مصالحها.
لا يمكن أن تعول النهضة ولا أيُّ حزب من الأحزاب التونسية على صداقة دائمة مع تلك الجهات الخارجية من عرب وعجم وإفرنج.
الذين يستعجلون مؤامرة على النهضة -وهي حاصلة وتحصل- عليهم ألا يكونوا أغبياء بالقَدر الذي يجعلهم يُصدّقون أن المؤامرة على النهضة ستسمح لهم بأن يكونوا “تونسيين” يمارسون مواطنتهم وينعمون بسيادة وطنهم وبثرواته.
قديما قالت العرب في الأحمق “خصى نفسه نكاية في زوجته” ونحن لا يخفى علينا أن خصوم الإسلاميين لم يتوقفوا عن خصي أنفسهم منذ عقود بل وإنهم يحاولون تحويل عمليات الخصي تلك إلى ثقافة شعبية وإلى طقوس يومية.
النهضة التي قدمت كل التنازلات – اختيارا أو اضطرارا- قدّمت وتقدم الحجة أمام التاريخ وضد خصومها بأنها تحملت كثيرا من الأذى من أجل سلامة الجميع ومن أجل مسار ديمقراطي هادىء بطيء ومعقول.
وجود النهضة في طقس دافىء سياسيا هو في صالحها لأنها تشتغل على المستقبل وتتحرك في بيئة خصبة مناسبة لهويتها الفكرية وخطابها السياسي والثقافي وهي ليست مستعجلة على السلطة انما هي حريصة على السلامة للجميع في عالم تعصف به التحولات العنيفة.
هذا التمشي يُزعج خصومها ويجعلهم يستعجلون قطع الطريق عليها سواء باستفزاز قواعدها ومحاولة جرهم إلى حيث يقدرون على إدانتهم وتوريطهم وتشريع استهدافهم أو بتحريض غرف المؤامرات الخارجية ضدهم.
المؤامرة مستمرة بالتأكيد تختلف وتتجدد طرائقها وأدواتها وكلما فشلت محاولة تركت المجال لمحاولة أخرى.
المحاولة الأخطر هي المحاولة الناعمة أي عن طريق الصناديق الإنتخابية في المحطة القادمة.
محاولة تحجيم جمهور النهضة الإنتخابي بحملات التشويه وبمختلف الأساليب التقليدية المعروفة خاصة وقد عادت الماكينة المتخصصة في التعبئة الإنتخابية وفي التوجية والضغط ووووو.
النهضة لن يسمح لها القانون الإنتخابي ولا حجمُها الشعبي بأن تكون صاحبة أغلبية ويبدو أيضا أنها لن تجد حلفاء أقوياء بعد النتائج تتحالف معهم في تشكيل مجالس الحكم المحلي… الشريك القوي الحالي ليس مُجبَرا على الوفاء لصداقته معها وليس ثمة ما يمنعه من تحالف بعد النتائج مع أطراف فائزة بأحجام تمكنه بالتحالف معها من “الإستحواذ” على مجالس الحكم المحلي… المراقب للمزاج السياسي العام يتساءل عن حلفاء مُحتملين للنهضة بعد النتائج بخلاف قوائم مستقلة؟
تحول النهضة إلى موقع المعارضة وفي أجواء سياسية دافئة يمكنها من خدمة المسار الديمقراطي ومن تعبئة مناضليها سياسيا وفكريا للمحطات القادمة وليس في الأمر خسارة ولا هزيمة.
ولكن:
ماذا لو أن نتائج وتحالفات الحكم المحلي استُخدمت في التمهيد لربح المحطات القادمة في الرئاسية والبرلمانية؟
وماذا لو استُخدِم ذاك الربح الرئاسي والبرلماني في ممارسة إعادة تفصيل “النسيج” لاستلال كل خيط غير منسجم واستبداله بخيط آخر من إنتاج السلطة الجديدة؟ أعني سياسة “التفريغ والتعبئة”؟
وماذا لو اغترَّ الفائزون -وكل فوزٍ مُغْرٍ لكل فائزٍ- فمدُّوا أيديهم للدستور ولكل قوانين الهيئات الدستورية يغيّرون فيها لمنع النهضة وبأساليب ناعمة من العودة ولمدة مائة عام كما حذر برهان بسيس.
ما يتهدد التونسيين جميعا ليس “مؤامرة” ما بما هي محاولة وحدَثٌ ماكرٌ وإنما ما يتهددهم هو محاولة جعلهم “مُرتَهنينَ” نفسيا وذهنيا لحالةٍ من الخوف والتوجس وفقدان الكل الثقة في الكل وانتظار الأسوإ دائما.
كل تونسي عاقل من مثقفين وسياسيين وإعلاميين ونقابيين لا يُمكنه إلا أن يظل مسكونا بسؤال محوري: هل تكون المؤامرة في صالح أحد من التونسيين حتى وإن اشتغلت تحت عنوان استهداف النهضة؟

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock