تدوينات تونسية

هل تجمّع شياطين الأرض في الإمارات ؟

صالح التيزاوي
قبل الرّبيع العربي الذي كانت تونس مبتدأه لم يكن يعرف عن دولة الإمارات دور يذكر، لا في المجال الإقليمي ولا في العالم غير عضويّة باهتة في مجلس التّعاون الخليجي. ولم يكن خافيا تبعيّتها لآل سعود، وأنّها مع سائر الأنظمة الخليجيّة كانت تدور في الفلك الأمريكي. ما الذي رشّح حكّام الإمارات للقيام بأدوار كبيرة وبارزة تفوق حجمهم بطريقة مفاجئة ومعقّدة؟
لا يبدو أنّ حكّام الإمارات تزعّموا الثّورة المضادّة في العالم العربي أصالة عن أنفسهم وإنّما بالوكالة عن آخرين، فلا تاريخ الدّولة غير العريق ولا صلتها الحديثة بعالم التّمدّن وتكديس منتجات الحضارة يسمح لها بهكذا دور: تدبير الإنقلابات العسكريّة، ومحاصرة دول، وقرصنة مواقع رسميّة لدول ومنظّمات وشخصيات، وإدارة سجون سرّيّة، وشراء أحزاب، وتجنيد عملاء، وإشعال حروب أهليّة، والتّدخّل السّافر في شؤون الدّول العربيّة .فهل يمكن لدولة في حجم الإمارات مهما كانت إمكاناتها المادّيةّ أن تقوم بكلّ هذه المهام القذرة بقدرات ذاتيّة دون مساعدة آخرين؟
قال باحث مغربي: “إنّ كلّ شياطين الأرض قد تجمّعوا على أرض الإمارات”. أي أنّ حكّام الإمارات أنفقوا أموالا طائلة لاستقدام شذّاذ الآفاق تحقيقا لمآربهم ومآرب من انتدبهم لتلك المهام القذرة وعلى رأسها: تخريب الثّورات العربيّة التي أدخلت الخوف والهلع على حكّام الإمارات والسّعوديّة خوفا من ضياع السّلطة والثّروة. كما أربكت قوى استعماريّة وصهيونيّة ما زالت تراهن على إبقاء العالم العربي منزوع السّيادة لا يملك قراره ولا سلطة له على ثروته تابعا للكلونياليات القديمة والحديثة. التقت رغبة الدّوائر الإستعماريّة مع رغبة حكاّم الإمارات والسّعوديّة المتوجّسين خيفة من ثورات الرّبيع العربي ومن صعود لافت للإسلام السّياسي. فكان القرار بملاحقتها في مهدها عن طريق الأذيال والأنذال والمرتزقة. وقد نجح رأسا الثورة المضادّة بما أنفقا من مال من تدبير انقلاب عسكري في مصر على الشرعيّة أفضى إلى عسكرة الحياة السّياسيّة واعتقال المعارضين بنفس الذّريعة التي ابتدعها حكّام العرب: “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”. وبذلك اكتمل مثلّث الشّرّ (سيسي مصر، آل زايد، آل سعود). دبّر ثلاثتهم انقلابا في تركيا أفشله وعي الشًعب التّركي وأغرقوا بلدان الرّبيع العربي في بحر من الدّماء وما زالوا يكيدون للثّورة التّونسيّة.
أيّ نمط من التّديّن يعتنقه حكّام الإمارات؟
بالنّظر إلى حجم التّخريب الذي تقوم به دولة الإمارات فإنّ أسئلة كثيرة تقفز إلى الذّهن: أيّ قناعات دينيّة يعتنقها حكّام الإمارات؟ وأيّ نمط من التّديّن يروّجون له؟ أوحى من سمّاهم الباحث المغربي “شياطين الأرض” إلى حكّام الإمارات بضرورة البحث عن غطاء ثقافي وديني لما يقومون به حتّى يسهّلوا على المجتمع الخليجي هضم ما يأتون من أفعال غريبة عن المجتمعات الخليجيّة وحتّى لا يفقدوا دعم الغرب. عثر حكّام الإمارات في السّلفيّات الدينيّة التي تنهل من المذهب الوهّابي وفي بعض مشايخ الصّوفيّة على ضالّتهم بما يروّج له هؤلاء من أفكار مضلّلة، تكفّر الخروج على “وليّ الأمر” بل تعتبر طاعته “عبادة تقرّب من اللّه، كما جاء في خطبة عرفة لموسم الحجّ الأخير. وأمسك “يوسف العتيبة” بشعار “العلمانيّة” بطريقة أقرب إلى التّهريج والسّذاجة منها إلى تحديث حقيقي للمجتمع. أنتجت هذه الوصفة (سلفيّة، على صوفيّة على علمانيّة يوسف العتيبة) نمطا من التّديّن على طريقة الفرق الباطنيّة، التي تعتنق عقائد هي عبارة عن تلفيق بين موروثات الأديان السّماويّة والمذاهب الفلسفيّة، وقد عرف عن المنتسبين لتلك الفرق عداؤهم للإسلام وللأخلاق وللقيم، كما عرفوا بجرأتهم الكبيرة على سفك الدّماء.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock