تدوينات تونسية

أريد وجهي.. أعيدوا إليّ وجهي..

ليلى حاج عمر
أخيرا أخيرا سأترك التّعليم.. سأترك مهنة الشّقاء والقسم المتداعي والكرسي المرتعش والمصطبة المثقوبة التي يعلق فيها حذائي كلّ مرّة. سأترك حجب الأعداد والنقابة ووجع الراس. سأترك الإصلاح يا فرحتي سأترك الإصلاح. سأترك الكتابة والرّوايات والظّهر الذي تئنّ فقراته والعيون التي كلّت التثبّت. سأترك الفقر والنّقر.
وسأدخل عالم النّجوم. بعض التحسينات الطفيفة وأدخل النجومية من الباب الكبير. سأصير مثل جوليا روبرتس أو أنجولينا جولي. أحتاج أيضا إلى تطفيف في الوزن. لا بأس بقليل من الجوع سأصير. وسأصير حديث وسائل الإعلام شرقا وغربا وتملأ صوري الواجهات والمجلّات وسيتّصل بي كبار المخرجين وسأضع شروطي المجحفة. لا مجال للتنازل. وسيتصل بي كبار الإعلاميين للحديث عن آخر أعمالي الفنيّة وعن شهرتي. وسأروي لهم بألم، بألم فظيع كيف كنت أستاذة. مجرّد أستاذة لا يبالي بها أحد، وكيف كنت أخرج كلّ مرّة من القسم بصداع عنيف نتيجة التيار الهوائي المنجرّ عن النوافذ المكسّرة. سأروي لهم عن تضحياتي الجسيمة التي لم يشعر بها أحد في سبيل التعليم. وسأبكي قليلا. ثمّ أطلب تعديل الماكياج من جديد وأواصل. سأحدّثهم عن معاناة الكتابة. آه الكتابة. آسفة أريد أن أنسى كلّ هذا. من فضلكم لا تسألوني عن الكتابة. الكتابة وجع حقيقي. تظلّ لساعات تطارد الفكرة وحين تأتي تفرّ من بين يديك كعصفور وتقع أعلى الشّجرة. لا تذكّروني. كان أمرا قاسيا. قاسيا على قلبي. الكتابة انتحار حقيقي. ولا أحد يعنيه أمرك طبعا. جمهوريّة الثقافة؟ تضحك ثمّ تقول لمحدّثك: أنت تمزح أكيد.
بعد أشهر فقط يعلو نجمك وتطاردك الصحافة في بلادك ولا يصمت هاتفك. الإعلام يحتفي بك إلى حدّ الإزعاج. البلاتوات تفتح لك أذرعتها لتحتضنك. وفجأة تجد نفسك في إحدى البلاتوات بجانب تلك التي تفهم في كلّ شيء والتي كانت تمنع شراء الوزارة لكتابك، وذاك الذي كان زميلا لك ثمّ تفرّغ لقصف العقول. تتهاطل الأسئلة البائسة عليك. تستيقظ الأستاذة داخلك. ماذا أفعل هنا؟ أنظر حواليّ أبحث عن باب للخروج. أحاصر بالأسئلة فأصرخ: أريد قسمي.. أعيدوني إلى قسمي.. أريد كتبي.. أعيدوني إلى كتبي.. أريد وجهي.. أعيدوا إليّ وجهي..

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock