تدوينات تونسية

معنى الحداثة: سيارة أمن

محمد بن نصر
سجن الذات
لم أعرف السجن في حياتي ولعل الله لحكمة يعلمها ابتلاني بالنفي ولم يبتليني بالسجن ربما لأنه خص الوالد رحمة الله عليه بامتحان السجن وخصني بامتحان النفي. طبعا لا مقارنة بين الإمتحانين للاختلاف النوعي بين أوجاع وآلام كل منهما. المجال لا يسمح بالحديث عنها وليس هو الهدف من هذه التدوينة.
تساءلت في مرات سابقة لماذا قفزت إلى ذهني تلك الإجابة عندما سألني أستاذ الأنتربولوجيا عن معنى الحداثة فقلت له سيارة أمن. يمكن لأني لأول مرة أشاهد تلك الكتلة الحديدية التي جاءت مزمجرة لتقف أمام بيت الشعر بيتنا فأذعرت شويهاتنا ودواجننا وأخذت الوالد إلى السجن. ركضنا وراءها فأعمت أعيننا بغبارها ودخانها كما أعمى غبار الحداثة عقول الكثيرين.
كان الحديث في السجن حديثا ممنوعا وصاحبني ذلك اللغز حتى كبرت وكلما وقعت عيني على رواية من أدب السجون أسارع إلى التهامها. قرأت عن السجون في كل بلاد العالم وعرفت فنون تحطيم الذات الإنسانية وكنت أتعجب من أساليب التعذيب في السجون العربية. زال عجبي حين قرأت مؤلفا في سبع مجلدات عن التعذيب في تاريخنا الإسلامي. كم أبدع عقلنا، والحمد لله ليس فقط في هذا الجانب، في فنون التعذيب.
المهم في الأمر أن كل ذلك رسخ في ذهني حقيقة لازالت تؤرقني مفادها أن من تربى على تحطيم الذات الإنسانية لا يستطيع أن يبنيها وأن سقف طموحات الذات المحطمة لن يرتفع كثيرا لأنها ترى في تحقق ما كانت محرومة منه منتهى طموحاتها فيصعب عليها استيعاب طموحات شعبها في التحرر الشامل بالرغم من أنها عرفت كل أصناف العذاب من أجل تحقيق مجتمع حر وعادل. لعل ذلك يفسر رضاء المظلوم بالظلم و هو قادر على دفعه وكيف يسكنه الخوف فكلما عزم على أمر استحضر ما فات فأحجم. ما سقته فرضيات للتأمل والتفكير وليس نتائج نهائية.

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock