تدوينات تونسية

ابن خلدون و”الدستوري الأخير”

أحمد الغيلوفي
سأحاول قراءة المرحلة بعيون خلدونية:
لماذا تتآكل المنظومة بشكل سريع ومخيف وتُصدّرُ أزماتها لمؤسسات الدولة وللشعب عموما؟ لأنها استنزفت كل طاقاتها على الإستمرار. النواة الأولى التي نخرها السوس هي الأفراد الذين يكونونها: ما يجعل الأحزاب والقوى الإجتماعية تتماسك وتتواصل هي القيم والمشروع والحلم الذي من أجله يعمل الفرد ويضحي. المنظومة القديمة هي مجرد لقاء حول الغنيمة: هُدِّدت مصالحهم المادية ومواقعهم خلال 2011 فاجتمعوا لإنقاذها. الآن هم يتناهشون حول المواقع والأموال والإمتيازات. تماما كالضباع: تُهاجم مجتمعة ولكن عند سقوط الفريسة تتناهش. ولأنها تعوزهم القيم السامية التي تجعل الفرد يسمو على متاع الدنيا، فإن نهايتهم وشيكة.
ابن خلدون يقسم أعمار الدول إلى ثلاثة أجيال: جيل الحرب والصراع من أجل التأسيس، وجيل التنظيم والبناء، وجيل الإرتخاء والغنائم. لا شك أنه كان يفكر في الأندلس وفي بغداد، ولكن هذا يصح أيضا على دولة النمط: جيل الحركة الوطنية، ثم من بورقيبة الثاني حتى 1987 ثم هذا المسخ والشتات الندائي. عبثا يحاولون التواصل: لقد أُشرِبوا في قلوبهم الفساد، كما أن العصر أصبح يطرح قضايا ومطالب فيها مقاتلهم: الديمقراطية – المواطنة – العدالة – دولة القانون. إنهم لا يستطيعون تنفس هذا الهواء. سيموتون من تلقائهم، وسيولد جيل جديد يبني تونس جديدة على قيم جديدة. لابد من عقد اجتماعي جديد بدماء جديده. هذه آخر أيام “الدستوري الأخير”.

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock