تدوينات تونسية

أخطر ما يحدث في تونس اليوم !!

عبد اللّطيف درباله
أخطر ما يحصل في تونس خلال السنوات الأخيرة..
ليس فقط فشل وعجز الحكومات المتعاقبة..
وليس فقط وصول عشرات الأشخاص الجاهلين بأمور السياسة والدولة.. والفارغين والفاشلين.. وعديمي الكفاءة والمعرفة.. إلى مراكز السلطة والقرار..
وليس فقط تغوّل تأثير وسيطرة الدول والقوى واللوبيّات الأجنبيّة على القرار الوطني في تونس من خلال أحزاب وشخصيّات ومسؤولين حكوميّين جاهلين أو ضعفاء أو إنتهازيّين أومنبطحين أو عملاء..
• وليس فقط حالة الإنفلات داخل الأمن والديوانة والقضاء والنقّابات..
• وليس فقط ضعف نسبة النموّ الإقتصادي..
• وليس فقط إنخفاض حجم الإستثمارات الوطنيّة والأجنبيّة..
• وليس فقط تزايد نسبة المديونيّة للدولة وللمواطنين..
• وليس فقط إنهيار الدينار التونسي..
• وليس فقط تصاعد العجز التجاري..
• وليس فقط غلاء الأسعار بطريقة غير مسبوقة..
• وليس فقط تراجع القدرة المعيشيّة والشرائيّة للمواطنين..
• وليس فقط إنتشار الفساد في كلّ مفاصل الدولة.. على كلّ المستويات..
• وليس فقط إنهيار المنظومة التعليميّة..
• وليس فقط توسّع نسبة تهريب وتوزيع المخدّرات والإدمان لتشمل حتّى التلاميذ والطلبة من الجنسين..
• وليس فقط الدور التغريبي والهدّام الذي يقوم به الإعلام لشخصيّة التونسي وعقول التونسيّين وأرواحهم وقيمهم وأفكارهم.. جريا وراء الربح السريع أو الإيديولوجيّات أو لأغراض سياسيّة.. أو خدمة لبرامج ومخطّطات أجنبيّة..
كلّ هذه المشاكل والآفات ربّما يمكن مقاومتها ومعالجتها وتداركها لاحقا..
ولكّن أخطر ما يحدث في تونس طوال هذه السنوات هو نزيف الأدمغة.. وبحر الهجرة للخارج الذي أصبح يلوح بلا نهاية.. وينذر بطوفان.. ليشمل بالإضافة إلى العاطلين عن العمل والشباب المبتدئين وأصناف العملة والعاجزين عن النجاح في مهنة أو حياة بتونس.. ليشمل الأدمغة والنخبة من إطارات ومديرين وأساتذة ومعلّمين وأساتذة جامعيّين ودكاترة وأطبّاء ومحامين ومهندسين ومحاسبين وتجّار ورجال أعمال وتقنيّين سامين.. وعموما أصحاب خبرة وكفاءة مختصّين في مختلف المجالات..
كفاءات صرفت الدولة عشرات الملايين على كلّ واحد منهم لتعليمهم.. أصبحوا يفضّلون الهجرة بحثا عن أجرة أكبر.. وظروف عمل أفضل.. ومستوى ونوعيّة معيشة أحسن.. فتأخذهم أوروبّا وأمريكا وكندا والخليج جاهزين للعمل والإبداع والإنتاج.. دون أن يصرفوا دولارا واحدا على تعليمهم وتأهيلهم..
ليست فقط القوى الشبابيّة والعاملة التي “تحرق” عبر قوارب الموت لتعبر المتوسّط..
ولكنّ عشرات الآلاف من الكفاءات التونسيّة هاجرت إلى الخارج فعلا خلال الأربع سنوات الأخيرة..
وعشرات الآلاف الآخرين يستعدّون للهجرة أو هم بصدد البحث عن فرصها ووجهتها..
في حين أصبح مئات الآلاف يفكّرون جدّيا في الهجرة و”الهروب” من تونس..
هجرة الأدمغة والكفاءات والخبرات التونسية سيخلق فجوة عميقة من شأنها تعكير الحالة المتردّية أصلا بتونس.. وسيحدّ من نسق التطوّر والتقدّم في بلادنا خلال السنوات القادمة..
وهي تشكّل خسارة فكريّة ومعرفيّة واقتصاديّة واجتماعيّة فادحة وعظيمة لا نظير لها.. وتفوق استراتيجيّا وعمليّا كلّ الخسائر الماليّة والإقتصاديّة الأخرى..
بعد الثورة وإنهيار النظام الديكتاتوري لزين العابدين بن علي.. عانقت أحلام التونسيّين السماء..
وشهدت تونس موجة رجوع نسبيّة للكثير من الكفاءات والمهارات التونسيّة المهاجرة التي كانت تعيش بالخارج لاعتقادهم بأنّ الحياة ستتطوّر في تونس بشكل كبير وسريع بعد الثورة.. ورحيل الديكتاتور وحزبه الواحد الحاكم الفاشل.. وذلك في ظلّ الحريّة ونظام سياسي ديمقراطي جديد سيعطي دفعا للاقتصاد والإستثمار وتطوير الدولة والمجتمع..
لكنّ تخبّط وجهل وعجز وغباء الحكومات المتعاقبة بلا إستثناء.. (بكلّ أطيافها من اليمين إلى اليسار).. يبدو أنّه لم يقطع فقط ذلك الأمل في التغيير والتطوير.. ولكنّه بعث يأسا مضاعفا في أرواح وقلوب التونسيّين من مستقبل البلاد.. ومن إمكانيّات إصلاحها وتطويرها.. في ظلّ سياسات ضعيفة ومترهّلة أظهرت عجزها لحكومات لم يعد التونسي يتوقّع منها خيرا بتاتا.. حتّى أصبح 78 بالمائة من كفاءات تونس تتمنّى الهجرة وتفكّر فيها حسب آخر استبيان انجزه مركز تونس للبحوث الاستراتيجية..
هذا النزيف سيتواصل.. بل وسيتفاقم.. إن لم تجد تونس طبقة سياسيّة جديدة وناجحة وفاعلة إيجابيّا تعيد الأمل للتونسيّين.. وتبدأ فعلا في بناء دولة جديدة متقدّمة على أسس صلبة تستجيب لروح العصر.. وتستجيب لروح الثورة وجوّ الحريّة والتعدّدية والديمقراطيّة.. وتتبنّى أحلام التونسيّين.. وتكون على مستوى طموحاتهم..

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock