تدوينات تونسية

بعد اعترافات قاسم كافي: ماذا ننتظر لتجريم التطبيع ؟!

أحمد الرحموني
رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء
في جزء من حوار “سريالي” ! ببرنامج فني يعنى بالنجوم، أذيع يوم 3 فيفري الجاري بإذاعة موزاييك اف.ام ،بدا لي أن الفنان الشعبي قاسم كافي (ربما دون وعي أو قصد!) قد تحول -في لحظات- إلى ما يشبه عادل إمام في مسرحية “شاهد ما شافش حاجة” ! حتى أن محاوره لم يتوقف عن الاستغراب كلما تقدم في حديثه: “غنيت في إسرائيل 4 و الا 5 مرات، تي حتى عطاوني الدرابو متاعهم لتوه عندي فيستة زرقاء والسورية البيضاء!”.
ولم ينتظر الفنان “الأبله”حتى يستوعب جميع الأسئلة واسترسل في اعترافات (لم يكن ليدلي بها إنسان عاقل حتى تحت التعذيب!): “أيام بن علي كانوا يمشيو برشا فرق ومغنين كيف نور الدين الكحلاوي لكن أنا مشيت باللز ياسر خاطر صفاقس مليانة باليهود !”.
وحتى لا يتهم باخفاء بعض التفاصيل الإضافية أجاب أنه غنى”في تل ابيب البلاد الكبيرة مضيفا قوله “لقيت ياسر خير في جرتهم كلهم فرحانين بي يدورو من بلاصة لبلاصة !”.
والمثير في هذا الفصل الكوميدي (على ما فيه من مرارة!) هو ما يظهر على وجه المتحدث من عدم إدراكه التام لفداحة ما فعل وخطورة ما يقول!.
ولكي يتخلص من هذه “الورطة” التي أوقع نفسه فيها ختم بالقول “الغلطة كان بن علي يهزنا بالسيف كمال رؤوف الكل مشاو!”.
وخلاصة الحديث في هذه القضية هو أن الرجل قد أكد -في رواية مفصلة- معلومات سابقة ومتضافرة عن ممارسات سرية للتطبيع “الثقافي” -إضافة إلى علاقات اقتصادية مع الكيان الصهيوني- كان يشجع عليها نظام بن علي وتتم بلا شك تحت نظر الرئيس الأسبق شخصيا.
وفي هذا السياق ربما يتذكر البعض فضيحة أخرى قد تكون مرتبطة بهذه وتخص الفنانين (الشعبيين أيضا) نور الدين الكحلاوي ومحسن الشريف اللذين ظهرا مع أخرين في شريط مسجل -تم تسريبه على شبكة الانترنت في أوائل شهر أوت 2010- وهما يغنيان في حفل تم إحياؤه على الأرجح بمستعمرة إيلات الإسرائلية.
وقد ظهر في الشريط المذكور المغني محسن الشريف وهو يرقص ويغني مرددا قوله “يحيا بن علي !”، ثم يهتف بعدها أكثر من مرة “يحيا بي بي نتنياهو!”.
وعلى خلاف الفنان قاسم كافي -الذي كشف عن نفسه بعد سنوات من تلك الفضيحة- حاول الفنانان نور الدين الكحلاوي ومحسن الشريف التفصي من المسؤولية على إثر اتهامهما بالتحريض ضد الفلسطينين والحاق الضرر بقضية العرب الأولى والنيل من سمعة تونس.
إذ أكد نور الدين الكحلاوي أن الفيديو المسرب “تم تسجيله في أحد الملاهي بجزيرة جربة خلال شهر ماي 2006. وأن تحويرات قد أدخلت على مستوى عمق الصورة لإيهام المتفرج بأنه صور في إسرائيل!. نافيا أن يكون قد زار في حياته إسرائيل ومستظهرا بجواز سفره الذي يؤكد وجوده في تونس خلال فترة تسجيل الفيديو” (صحيفة الشروق 15 ديسمبر 2010). في حين رد محسن الشريف على منتقديه -حسب ما ورد بصفحته الخاصة بالفايسبوك- أنه كان يجهل -ببساطة- من يكون نتنياهو!.
وإضافة إلى شهادة قاسم كافي -الذي أشار إلى تورط الكحلاوي وكمال رؤوف (النقاطي)- يبدو أن تلك الحفلات -التي درت على عدد من الفنانين أرباحا كثيرة!- لم تبح حتى الآن بأسرارها الكاملة وتحتاج إلى تقصي ظروفها وملابساتها كشفا للحقيقة وإنصافا للتاريخ.
ويذكر أن تلك الوقائع -إضافة إلى فتح مكتب إتصال مشترك مع إسرائيل خلال عام 1996- قد جعلت من تونس في فترة نظام بن علي إحدى الدول العربية المطبعة قبل أن تتخلى عن ذلك رسميا بعد أربع سنوات على إثر الإنتفاضة الفلسطينية الثانية.
ولكن يظهر أن محاذير التطبيع والإختراق بعد الثورة لم تنقطع بالنظر خصوصا إلى فشل المحاولات -التي صدرت بعد إرساء المجلس الوطني التاسيسي- من أجل التنصيص على تجريم التطبيع بالدستور الجديد وإقرار قانون خاص يجرم ممارسات التطبيع مع الكيان الإسرائيلي ويكون رادعا للمطبعين بجميع أصنافهم (سياسيون – رجال اعمال – أكاديميون – جامعيون – فنانون – رياضيون .الخ).
ولتلك الأسباب، من الواجب التسريع في إقرار مشروع القانون المتعلق بتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني عدد 4/2018 (8 فصول) الذي أحيل منذ 16 جانفي الفارط على لجنة التشريع العام بمجلس نواب الشعب. وذلك بقصد تجريم الأفعال التي تدخل ضمن التطبيع السياسي والأكاديمي والرياضي والفني… والتصدي لذلك من خلال سن جملة من العقوبات الجزائية الرادعة.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock