تدوينات تونسية

لا “الزّوّالي” ولا “قفّته” في حساب الرّاديكالي

صالح التيزاوي
أن تندلع الإحتجاجات على غلاء المعيشة وعلى تردّي الأوضاع الإجتماعيّة في غياب القدرة على حلّها، فهذا الأمر كان متوقّعا. إذ الجماهير الغاضبة لديها أكثر من مبرّر للإحتجاج. أمّا ما لا يمكن تبريره بأيّ حال من الأحوال:
1. أعمال التّخريب والنّهب والسّلب التي رافقت الإحتجاجات وكادت تعصف باستقرار البلاد.
2. ركوب فئة متطرّفة من اليسار الإستئصالي موجة الإحتجاجات المشروعة ممّا أضرّ بها وشوّهها ومنع آخرين من الإلتحاق بها. بل إنّ من رفضوا الإلتحاق بها وقفوا ضدّها لمّا أخذت منحى تخريبيّا. ويرى مراقبون أنّ أخطر ذراعين للثّورة المضادّة في تونس: تطرّف أقصى اليمين وتطرّف أقصى اليسار. إذ أنّ كليهما لا يريد حرّيّة ولا ديمقراطيّة ولا دولة مدنيّة. بل لا يرون لغيرهم حقّا في الوجود.
3. لماذا الإحتجاج باللّيل على مطالب مشروعة؟ هذا الأمر فضلا عن كونه يسيء إلى الدّيمقراطيّة النّاشئة حيث يصوّر الوضع وكأنّنا تحت دكتاتوريّة تجرّم الإحتجاج، فإنّه يفتح الطّريق أمام التّخريب لأنّ اللّيل مرتع للمخمورين والمزطولين. فهل أصبح هؤلاء جيش الإحتياط لدعاة الفوضى والإنقلابيين؟
ماذا وراء الإحتجاجات العنيفة؟ لو لم تصادق كتلة الجبهة الشعبية على الفصل الملتهب، لقلنا بأنّ دعوتها للإحتجاج هو من قبيل الإنحياز للفقراء والكادحين كما تزعم. فكيف يستقيم الأمر؟ موافقة على قانون الماليّة بالنّهار ودعوة لإسقاطه باللًيل..! يبدو أنّ الأمر كان أكبر من مجرّد التّظاهر، وأن لا علاقة للإحتجاجات بـ”الزّوّالي” ولا بـ”خالتي مباركة” قد نحتاج إلى استدعاء حدثين خطيرين شهدتهما البلاد قبل اندلاع أعمال التّخريب لفهم حقيقة ما جرى.
أوّلهما: الأزمة التي افتعلتها دولة الإمارات، رأس الثّورة المضادّة في بلدان الرّبيع العربي مع تونس.
ثانيهما: إعلان النّاطق باسم الجبهة بأنّ “الجبهة مستعدّة للحكم”، دون أن يفصح عن كيفيّة استعدادها لذلك. هل عن طريق الإنتخاب ؟ أم عن طريق “العنف الثّوري” ؟، وقد سبق أن صدرت عنه تصريحات مماثلة في حكومة الحبيب الصّيد وأدّت إلى احتجاجات لم تخل من العنف. فهل كانت كلمة السّرّ في الحدثين المتزامنين؟. وهل أنّ أحداث العنف تخفي وراءها ما هو أخطر ؟ لقد فتحت الثّورة عهدا جديدا من التّداول السّلمي على السّلطة، فما على اليسار إلّا أن يعرض نفسه كغيره من الأحزاب على الشّعب وإن منح تفويضا مطلقا أو نسبيّا فلن نضع العصا في العجلة ولن نهرب بالعجلة ولن نحرق “العجلات المطّاطيّة” ولن ننزل إلى الشّارع تخريبا وحرقا ولن نتآمر عليهم كما فعلوا، ليس محبّة ولا اقتناعا ولا مثاليّة ولكن إشفاقا على وطن انهكه الإستبداد قبل الثّورة و عصفت به المناكفات السّياسيّة والحزبيّة بعد الثّورة.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock