تدوينات تونسية

لصوص الأوطان والإنسانية

صباح سلامة

كان السكون السائد وقتها كسكون المستنقع الآسن، ما أن ترمي فيه حجرا صغيرا حتى “يِتحرۡوِد” و “يۡطُشّك” طينا أسود نتنا عفنا، فتتحرك كل الرواسب والكائنات التي كانت تستكين هناك وتقتات من الفتات والبقايا المتعفنة، وأحيانا كثيرة يُقۡتَات عليها من هنا وهناك..
المستنقع العربي كان مستنقعا واحدا عميقا مليئا بالظلم والقهر والمذلة والديكتاتورية وكل أنواع الفساد، وكان المواطن العربي مواطنا ذليلا مهانا مسلوب الحق في حياة كريمة تليق به ككائن إنساني، إلا من رضي السلطان عنه بمقابل أكثر مذلة ومهانة، وكان يتطلع إلى “الإنسان” حوله في بقية أنحاء العالم مغتبطا كئيبا حزينا متحسرا يحلم “بالمعجزات” أو يحلم بـ “الهجة” إلى حيث يجد بعضا من إنسانيته المنشودة والمسلوبة مذ جاء إلى العالم.
لما ألقى التونسيون أول حجر في المستنقع العربي فحركه وأخرج ما فيه وأحرج المتغطرسين داخله، هبت أغلب الشعوب إليه وألقت فيه حجارتها.. وكم كانت الـ”إفرازات” كثيرة وشنيعة ! وكم طفا على السطح من مشاكل وهموم كانت خفية مخفية. مشاكل مادية وأخرى متعلقة خاصة بشخصية الإنسان العربي وبنائها بناء هشا مدروسا بعناية فائقة ليظل ساكنا داخل القوقعة المستنقع الذي وضعه فيه السادة اللصوص، لصوص الأوطان والإنسانية. كثرت المشاكل بعد هذه الرمية وتعددت ومازالت تبعاتها تلاحقنا، ولكن لم يكن من ذلك بد، ولم يكن أمامنا غير هذه السبيل الصعبة لنخرج إلى الحياة أو إلى بعض الحياة ونتذوق بعض أطايبها بعد أن سدوا كل المنافذ في وجوهنا. وكان من الطبيعي أن يقفز صغار اللصوص القدامى ليصبحوا لصوصا جددا ويرتقوا إلى مرتبة لص كبير مع مرتبة الثورجية، ولن يكون لهم ذلك طبعا إلا بإلقاء التبعات الثقيلة على الثورة وما جاءت به الثورة وذلك لتغيير وجهة تفكير المواطن إلى فترة العهد الدكتاتوري السعيد ولعن اليوم الذي ولدت فيه الثورة ليستتب لهم الأمر مجددا، وعوض أن نسب من اختطف الثورة ونعيدها منه إلى مسارها نسب الثورة والذين جاؤوا بالثورة تلقائيا من قهرهم وذلهم وفقرهم وتجويعهم ونتحسر على عهد السواد والظلم الجور..
هل يمكن بالعقل أن تعود عقارب الزمن إلى الخلف ؟ هل من يحن إلى زمن الاستبداد إنسان سوي في شخصيته ومداركه ووعيه بقيمته كإنسان ولدته أمه حرا ليعيش حرا غير مستعبد يملك نفسه وعقله وفكره بيده !؟

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock