تدوينات تونسية

“ڨاطو الفقراء”

الخال عمار جماعي
اذكر -ربما ببعض المرارة والابتسام- أنّ الوالدة (رحمها الله) حين علمت من جارة لنا أن رأس العام يحتفل به بـ”الڨطّو” ولم يكن لنا عهد به ولا نعرف من المرطبات إلا “الميلفاي” (الوالد ينطقها مارفاي !) وهي أمور داخلة في الرفاهة كعلب الياغوط !، قررتْ أن تعدّ لنا واحدة بما اوصت به الجارة “القافزة” من مقادير المواد..
كيف تدبّرت امرها ؟ لا ادري ! الذي اذكره أنّنا كنا نشتمّ رائحة زكيّة ونسال فتأمرنا بالصّبر.. وكانت ليلتها وجبة الكسكسي ثقيلة.. ولكن تلك الرائحة كانت تلعب بخيالي وقد قرأت مرة في دروس القراءة عن “كعكة المرطبات” ولم أفهم إلا أنها شيء كالحلوى الكبيرة !
اخذت الوالدة المصباح لتتفقد عجينتها.. وتحلّقنا جميعا نتناكف في حيازة الأمكنة إلا الوالد -رحمه الله- فقد آثر كعادته زاويته وغرق في التسبيح.. وجاءت “خبزة الڨاطو”.
أنار المصباح حلقة المتدافعين بالمناكب وانفتحت عيونهم.. دائرة من العجين محترقة الأطراف منبعجة الوسط منتفخة من إحدى الجهات مفرطحة من جهة اخرى..
بانت الخيبة والاعتذار على وجه الوالدة.. تجرّا بعضنا وقضم جزءا.. وجده محترقا فألقاه.. تراجعنا في صمت.. أقسمت الوالدة أنّها فعلت بالضبط ما أوصتها به “الجارة القافزة” ولكن ربما اخطأت أنها طبختها كما تطبخ الكسرة !.. ضحك بعضنا.. سرى الضحك بيننا، حتى الوالد ترك تسبيحه واستغرق في الحوقلة ثم انفجر مقهقها.. انكسر خاطر أمّي وانطوت على نفسها.. اقترب منها أبي ولاطفها قائلا: “الفايدة في الشرهة..” !!
لم تنجح الوالدة ابدا في تحضير “كسرة الڨاطو”.. ولا نجحت في ان تكون “قافزة” ولكنها كانت “رائعة”.. اروع من كلّ خبز الڨاطو المديني !
“الخال”

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock