تدوينات تونسية

الأعراب أجدر الّا يعلموا…

نور الدين الغيلوفي
عن امتناع الإمارات عن التونسيات
فيا ابن كَرَوّسٍ يا نصف أعمى *** وإن تفخر فيا نصف البصير
تعـــــادينــــا لأنّـــــا غَيْــــرُ لُكْــــــنٍ *** وتُبْغِضُنَا لأنَّــــا غيــرُ عُــور؟!
(المتنبّي)
الخبر كما ورد:
(قالت وكالات الأنباء إن شركة طيران الإمارات منعت، الجمعة 22 ديسمبر/كانون الأول، نساءً تونسيات من السفر على متن طائرتها المتجهة إلى دبي، دون تقديم أسباب…
ونقلت الوكالة عن مساعد رئيس الرحلة قوله: “بلوغ تعليمات عن طريق رسالة إلكترونية تقضي بعدم قبول أي امرأة تونسية على متن خطوط الشركة في اتجاه الإمارات.. وهذا يشمل أيضاً رحلات العبور”…).
التعليق كما أريد:
1. كان التونسيون، ولا يزالون، يرون أنفسهم أكثر العرب تقدّما وأسرعهم إلى الانخراط في تيّار التحديث والقطع مع بنية المجتمع العربيّ التقليدية، منذ قيام نظام الجمهورية في بلادهم.. وكان تحرير المرأة وإنزالها المنزلة التي تليق بها من أبرز الرهانات التي ساعدتهم على تطبيع علاقتهم بالنموذج الغربيّ وتجاوز كثير من العقليات الموروثة.. ولم يكن من المتوقّع أن يتجرّأ كيان من إمارات الريع النفطي على دولة لها عراقة الجمهورية التونسية وسابقتها في العلم والحضارة بمثل ما ارتكبته “إمارات العيال” حين قرّرت منع نساء تونس، بلا استثناء، من دخول ترابها في حركة رعونة وقحة تعبّر عن استخفاف بأبرز ما تفخر به دولتنا الحديثة.. إنّ في ذلك إهانة لا تعادلها إهانة.. وممّن؟ من قوم أعراب لولا النفط المستخرَج من تحتهم ما كان لهم أن يركبوا سيّارة ولا أن يسمعوا صوت مذياع ولا حتّى أن يتعلّموا الأبجديّة…
2. يعلم الجميع أنّ مذمّة الناقصين لا تعني في عالَم المعايير شيئا.. فالذمّ حكم.. والحكم شهادة.. ومن كان نهب النقص جُرحت شهادته ولم يُراعَ له حكم ولم يكن له بين العقلاء رأي.. وفيما أعلم ليس مُسَمَّى “الإمارات العبرية المتّحدة” ممّا تُخشى مذمّته لأنّه يحمل اسم الـــــ”دولة” على المجاز لا على الحقيقة.. قامت على جرف هار.. لا حظّ لها في غير إدارة الرذيلة على سبيل إدارة وجه آخر من وجوه التوحّش.. فهي شقيقة لداعش وإن اختلفت بينهما المظاهر.. يسعى بها غلمانها بمساعدة مستشارين من أراذل الأقوام إلى حتفها في عنجهيّة لا تفسير لها غير خفّة العقل والعزّة بالإثم والعدوان على الأمّة العربيّة كلّها…
3. لقد استهدف المنع المرأة التونسية.. “محرزية” كانت أو “ماهيش محرزية”.. لا فرق بين النوعين بالنظر إلى بطاقة الهوية.. ومن شأن ذلك أن يزيل الغشاوة عن أعين شركائنا في الوطن.. أولئك الذين يشتهون قولبة النساء وردّهنّ جميعا إلى نمط هندسته مختبرات المتغلّبين الذين لم يحملنا انبهارنا بهم على تقليدهم.. ولو أنّنا نجحنا في تقليدهم لصرنا إلى ما صاروا إليه ولبلغنا بعض رقيّهم.. وليذكر هؤلاء لو أنّ امرأة أوربية أو أمريكية مُنعت من دخول بعض إمارات العيال لقلبت الدولة المعنيّة الطاولة على أعراب لم يرتقوا إلى فهم “إيتيكات” التعامل مع النساء في حضارة تحترم النساء…
4. تروي الأخبار أنّ أصحاب القرار قد تراجعوا في وقت لاحق.. ولكن.. بعد فوات الأوان.. بعد أن أشيع المنع وسرى الحديث به وتعدّدت في شأنه التفاسير.. وأيّ معنى للتراجع في القرار بعد أن شاع خبرا؟.. لقد أراد هؤلاء الأشباه وصم المرأة التونسية فأصابوها وحقّقوا في غفلة منّا ما أرادوا.. وهم يعلمون جيّدا أنّ سمعة المرأة في المجتمعات العربية معلّقة في إشاعة تنفجر فتحكم عليها بالأذى الملازم، ظلما لها وعدوانا عليها.. في ثقافة قرّرت من قديم الزمان ألّا تغفر أخطاء النساء.. وقد لا يتجاوز الخطأ في كثير من الأحيان خبرا مدسوسا لتُحشَر المرأة رغم أنفها في ركن قصيّ من منظومة أخلاقية ظالمة.. فما ظنّك إذا كان الأمر يستهدف نساء دولة بأكملها كما لو أنّهنّ قد أُصبن بمرض وبائيّ يُخشى من انتقاله إلى حيث انتلقن؟ لقد قرّرت “إمارات العيال”، لأمر ما، أن تنفث سمّها في تونس قاطبة وتعبث بصورة دولة “شقيقة” اتّخذت من تحريرها المبكّر للمرأة خيارا يميّزها داخل غابة عربية تحكمها تقاليد أجلاف الأعراب.. كأنّها، بذلك، تستهدف إحراق أثمن الورقات في دفتر الجمهورية التونسية.. والحال أنّها ورقة يحتكرها بعض مواليهم وليس لهم غيرها ليلعبوا بها…
5. لقد باتت “دولة” الإمارات العبرية المتّحدة، بما تأتيه من سلوك لا يوافق حجمها ولا تاريخها، جسما غريبا في الجغرافيا العربية.. فهي آخر وكر لأجلاف الأعراب، والأعراب أشدّ كفرا ونفاقا وأجدر ألّا يعلموا.. أعراب واتتهم الطفرة النفطية ففسقوا في القرى.. فحقّ عليها القول.. والقول كثير في غلمان وجدوا أنفسهم مقعَدين على آبار نفط بلا رقيب فراحوا يتقاسمون ريعها ويسومون سكّان البلاد شتى صنوف الهوان.. هذه عصابة لبست غير لباسها وخرجت على الناس بغير حجمها وقد حسبت أنّ كلّ الأشياء تباع فبذلت الأموال لشراء ما لا يُشتَرى.. ولمّا كانت غُفْلًا بلا أسماء فقد ولعت بشراء العلامات والأسماء.. كما فعلوا عند شراء اسم متحف اللوفر ليكون لهم شبيه به مقابل أثمان خيالية كان المواطنون المسحوقون أولى بها وأهلها…
6. حين أتحدّث عن الإمارات إنّما أعني عصابة الحكم بها.. ولست أعني شعبنا العربيّ الشقيق المغلوب على أمره هناك.. لقد باتت تلك البلاد قبلة للمهرّبين والهاربين والمتهرّبين والمطرودين.. وللفاسدين والنخّاسين.. وملاذا آمنا لطلاّب الدعارة وتجّار الضجيج.. مدائن من البلّور، بناها الفقراء المعدَمون وناطحات سحاب عُجن طوبها بعرق المقهورين، ليتنعّم بها المترَفون المتخَمون، لن تصمد أمام هوى حوثيّ طائش قرّر يوما أن يرجمها بصاروخ لتصير، في رمشة عين، أثرا بعد عين.. ويعود الناجون منها سيرتهم الأولى مع الخيام بين الأنعام…
7. ليس من تفسير عندي لذلك القرار الأحمق سوى كره هؤلاء الأعراب لبلادنا ولثورتنا وقد أربكتهم ونشرت بينهم الخشية على سلطان لا يرونه قد استقام لهم لأنّهم غلمان لا يملكون من الأمر شيئا من قبل و لا من بعد.. مستطيعون بغيرهم وبثروات يهدرونها لتحصيل مجد لن يظفروا منه بشيء.. إنّ هؤلاء لا يصدرون، في قرارهم الأهوج، عن وازع أخلاقيّ في ما ارتكبوا من حركة سمجة لا تأتيها دولة تحترم نفسها وتقدّر النساء في وطن يتلو سورة النساء آناء الليل وأطراف النهار.. ولكن وازعهم رعب اصابهم عقب نجاح الثورة التونسية في طرد المخلوع.. ولمّا كان هؤلاء لا يخفون كرههم للثورة التونسية أمّ الثورات فقد باتوا فزعين من أن يتزوّج مواطن من ديارهم فتاة تونسية حرّة تنجب له طفلا يرضع منها لبن الثورة والشرف فيكون مثل موسى يتربّى في قصر فرعون.. حتّى إذا بلغ سنّ الشباب لم يرض بطمأنينة الإبل وعاودته حميّة أخواله فألهب ثورة ضدّهم وألهم شعبا روّضه أبناء أبيهم على السمع والطاعة وانتظار الشفاعة وأفسد عليهم سلطانهم وأحال دولتهم إلى اللاشيء الذي ينتظرها.. ذلك هو ما يخشاه حكّام الإمارات الذين ورثوا سلطانا أفسدوه وثروة هدروها ووطنا غدروا به وأمّة أداروا لها ظهورهم ليركبها عدوّ لها وعدوّ لهم.. ولكنهم لا يفقهون…
8. لو أنّ امرأة تونسية تحمل جواز سفر أوروبيّا استوطنت الإمارات لما تجرّأ محدَثو النعمة من بقايا أعراب ما قبل التاريخ على الوقوف بوجهها ولأُسقط في أيدي حكّامَها وهم يرون التونسية تتبختر في لهجتها يحميها جواز سفر من بلد يخشاه الذين لا يستحون.. فما الذي أرادوا بلوغه بهذه الحركة الرعناء ضد الشعب التونسيّ غير إهانة هذا الوطن العريق.. وطن العقل والثورة؟ إنّما جرّأ هؤلاء علينا براغيثُ لهم زرعوها بأرضنا وهوّننا لديهم توابع لهم روّضوهم على الانحناء لهم لجمع ما يتساقط من فتاتهم.. فحسبوا أنّ كلّ التونسيين كتلك التوابع…

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock