تدوينات تونسية

لا حل مع إسرائيل لا مفاوضات ولا حرب..

محمد بن رجب
احباء بورقيبة وانصاره من تونس ومن السياسيين شرقا وغربا يقولون لو استمع جمال عبد الناصر لبورقيبة لكانت فلسطين اليوم دولة ذات سيادة ولكانت اسرائيل كيانا صغيرا مندحرا… وهناك من يقول بان اسرائيل عندما تسمع بسياسة بورقيبة ترتعش ايديهم خوفا من ان ينتهج العرب سباسته…
بصراحة هذا كلام فارغ بل هو مجرد هراء
وهو راي مضحك.. ولا يستند الى المنطق الذي يسود بين الدول العادية… وفي حالتنا ليست اسرائيل دولة عادية.. وشعبها ليس شعبا عاديا.. وبالتالي فان القول بتفويق موقف بورقيبة على موقف جمال عبد الناصر الذي كان يرى ان ما افتك بالقوة لا يسترجع الا بالقوة.. تفويق لا يرتكز على المنطق الذي تاسست عليه اسرائيل في العمق الاستراتيجي للغرب… فقد تاسست اسرائيل على ارض منهوبة.. واتى الداعمون بمواطنيها من كل انحاء العالم.. وبسرعة اصبحت دولة قوية جدا بلا مجهود ولا بناء ولا تشييد.. كله جاهز باموال ضختها الدول العظمى وتجهيزات حاءت مركبة كاملة.. واسلحة بلا حساب.. ومعامل تم تركيبها في وقت قياسي.. وعلماء خرجوا من اكبر المراكز البحثية.. وحكام من انذل العصابات الاجرامية المافيوزية في بريطانيا وايطاليا ثم امريكا.. والمانيا وفرنسا والبلاد العربية قاطبة…
لقد تم التخطيط لافتكاك فلسطين بالقوة او بالمؤامرات والدسائس لتكون الجسد الغريب عن الامة العربية لمنعها من التحرك والعودة الى الحياة الطبيعية وتحقيق نمو طبيعي يمكنها من القوة والازدهار.. وهذا الجسد المصنوع يهدف الى جمع يهود العالم الحالمين بدولة.. فتقرر ان تكون هذه الدولة في قلب الامة العربية.. دولة لا احد من العرب ولا من المسلمين قادرا على ان يمس منها شعرة كما يقال..
اسرائل اذن هي ابنة مخطط.. وهذا المخطط يقول بصريح العبارة المخفية وهي واضحة في ان واحد وهي ان تكون اسرائيل هناك ولها ان تبقى وان تكبر وان تتعاظم ولا امل للامة العربية في ضربها او اضعافها سواء استعملوا سياسة بورقيبة او اسلوب جمال عبد الناصر او حتى لعبة السادات.
فقد تم السماح للسادات في حربه المفاجئة في اكتوبر 1973 ان يحقق زعامته العربية التي تنسي العرب حبهم للراحل جمال عبد الناصر باسترجاع ما كانت الولايات الامريكية موافقة عليه وما ان تجاوز الجيش المصري والسوري الحدود بما تسميه امريكا الخط الاحمر وهو ما كان يعيد لمصر بعض كرامتها حتى كان الجسر الجوي الامريكي جاهزا لسحق اي تحرك نحو اسرائيل. وبالفعل اجبرت الطائرات الامريكية كل الجيوش على التقهقر واعيد الجيش المصري الى قواعده شبه مهزوم.. في حين انه كان قادرا مع الجيش السوري.. والجيوش التي وصلت دعما لمصر ومنها الفيلق الجزائري المحنك.. على بلوغ ما يمكن ان يعتبر هزيمة كاملة الشروط لاسرائيل وجعلها الدويلة التي لا يمكن ان ترفع راسها على الاطلاق.. وقد استمعت شخصيا الى الراحل سعد الدين الشاذلي القائد العسكري وصاحب التخطيط لحرب اكتوبر يؤكد ان الانتصار كان ممكنا على اسرائيل في حرب العبور وكان مصرا هو والقيادات الحربية التي يشرف عليها على التقدم نحو التراب الفلسطيني المحتل لكن القوى العالمية لا يمكن باي حال من الاحوال السماح للعرب ان يتقدموا ربع خطوة نحو اسرائيل التي يجب بالنسبة لهم ان تكون منتصرة باي شكل من الاشكال ولا يمكن ان تكون الحرب الا على الاراضي العربية ولا سماح لاي جندي عربي ان تطا قدماه الارض المحتلة التي تحولت بالدعم الظالم الى ارض اسرائيلية.. ولا يمكن التراجع في ذلك ولو احترقت كل الدنيا.. وفق الخطة المرسومة..
ولذا قامت الطائرات الامريكية المدعومة سياسيا بكل الغرب وحتى بموافقة صامتة من الاتحاد السوفياتي واجبرت امريكا كل الجيوش الموجودة المتقابلة في وجه الجيش الاسرائيلي وجمعت الاطراف كلها في ما سمي بالخيمة «القاهرة كلم 101 » حيث انطلقت اول مفاوضات مباشرة بين اسرائيل ومصر لرسم ما على مصر ان تحترمه نهائيا وما على اسرائيل ان تعيد الى مصر بما يرفع من بعض المعنويات لجيش قوي قادر على الفعل الا انه كان مقهورا بالقوى الدولية التي اكدت من جديد ان اسرائيل ما هي الا ذيل افعى راسها في واشنطن ونيويورك وسمومها منتشرة ومبثوثة في كل الاستراتيحيات الغربية وحتى لبعض الدول الاسلامية مثل تركيا وايران والباكستان.. وايضا في سياسات الدول الكبرى مثل الصين والهند بل ان بعض الدول العربية كانت في عمقها الاستراتيجي والسياسي ليس لها رغبة في هزيمة اسرائيل.
لنفهم نهائيا ان كل دول العالم بما فيها بعض الدول العربية منتصرة لاسرائيل بالامس واليوم وغدا.. واسرائيل هناك على صدورنا كالقدر المحتوم اقول كالقدر المحتوم وليست القدر المحتوم سواء احببنا او كرهنا.. وسواء امتثلنا لسياسة جمال او بورقيبة..
ولا يمكن ان تحصل فلسطين الا على ما يرضي امريكا وما ترضى عنه اسرائيل والغرب، وما يرضي امريكا اما دولة فلسطينية على 15 بالمائة من ارضها التاريخية والا طردهم نهائيا لينشئوا دولة في غزة وسناء المصرية…
وها ان العرب تفاوضوا مليون مرة مع اسرائيل.. وقبلوا باتفاقيات اوسلو ومدريد.. وقبلوا بالاستسلام العربي في مشروع الملك عبد الله ال سعود.. فماذا حدث.. لاشئ.. بل العكس هو الذي حدث.. فقد تم اغتيال ياسر عرفات تماما كما اغتالوا جمال عبد الناصر والسادات.. بل قامت اسرائيل باغتيال رئيس وزرائها لانه امضى على اتفاقية مع ياسر عرفات اعتبرها اليهود الصهاينة مهينة لهم ولا بد من اغتياله لتقبر الاتفاقية نهائيا…
اقول ذلك ليس للاحباط وتبني فكر الهزيمة الدائم بل بالعكس انا من انصار المقاومة المتصلة والمستمرة وازعاج العالم واحداث الشروخ داخل الكيان الصهيوني.. وما كتبت هذا التحليل الا لانهاء ما يجول في خاطر الكثير من الناس للاشادة بما لا يجب الاشادة به ولو اعتزازا سياسيا فقط والعمل على ايجاد جواب مقتع عن سؤال دام طويلا :
من الافضل جمال عبد الناصر او بورقيبة في مواجهة اسرائيل…؟!
ومن الافضل خطاب جمال لضرب اسرائيل وطرد اليهود ام خطاب بورقيبة الداعي الى التقسيم بالمفاوضات…؟!!
ان الادبيات تقول بان بورقيبة هو الاقرب الى الصواب لكن الحقيقة ان اسرائيل ليست دولة عادية حتى تقول بما يقوله انصار هذا الشق او ذاك.. ويجب ان ينتهي انصار بورقيبة من التبجّح بكلام لا يستند الى المنطق الذي تم بناؤه في بريطانيا وامريكا وباقي الدول العظمى والدول التي في فلكها فاصبح اللامنطق هو السائد في هذه القضية…
والحل…؟؟!!!
الحل لا يمكن ان يكون مع الدول العربية الحاكمة الان…
واعتقد باخلاص ان الحل يكمن في الوحدة بين الدول العربية… لكن المشكل القائم الان هو ان جل الدول العربية هي صنيعة الاستعمار المؤسس لاسرائيل.. ولذا لا يمكن الوحدة فيما بينها على الاطلاق… ولا بد من ثورات حقيقية فاعلة للشعوب العربية.. وهذه الثورات هي الكفيلة بنشاة دول وانظمة وطنية ديمقراطية لا يمكن ان تنهزم وارادة شعوبها هي الفاعلة وليست قياداتها التي صنعتها الخيانات والمصالح الدنيئة…
والغرب مع دول اخرى من الشرق وافريقيا ابدا لا يسمحون بقيام ثورات حقيقية واذا ما قامت فلا بد من الاسراع بتاطيرها لتكون «موسى الحاج او الحاج موسى»… ومع ذلك فاني ارى ان الاصرار في هذا الاتجاه هي الطريق المثلى الموصلة الى ضرب اسرائيل وانهاء دولتها السرطانية.. والانتصار الساحق يمكن دوما بالجهد المتواصل وبتحقيق القوة والتنمية وابعاد كل الخيانات بل ازالتها… وبلا دول وطنية شعبية وديمقراطية حقيقية لا امل وستبقى اسرائيل تفصل الثياب والعرب يلبسون…
انتصار الشعوب على الانظمة الخائنة او الهزيلة هي الحل.. وهذا الحل ممكن دائما.
وليست اسرائيل الا رهن انتصار الشعوب العربية.. ولذا لا بد من مواصلة المقاومة.. وتشجيع كل الاعمال التي تحدث الجروح والشروخ في جسد الكيان وممارسة حتى الاغتيالات كما تفعل اسرائيل.. والضغط الشعبي على الدول والانظمة العربية القائمة حتى تسقط كلها… وتتحقق الحرية والديمقراطية مع الحذر حتى لا تخترقها قوى الخيانات بكل انواعها.. والضرب بايد من حديد… عندئذ تبدا العمليات ضد الجريمة الاسرائيلية لا لتحرير فلسطين فقط بل لانها واحد من اسباب الانهيارات العربية المتعاقبة.. وشفاء الامة العربية من داء السرطان الصهيوتي…
انما الحل في نشاة اتحاد دول عربية وطنية.. وديمقراطية حقيقية.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock