تدوينات تونسية

مريم ومعركتها مع الحياة

الطيب الجوادي
ليس في حكايتها ما يثير،ليست قصة درامية على نمط اقاصيص المنفلوطي
ولا تصلح للمثيولوجيا الاغريقية
حين بدأت تعي الحياة من حولها، اعتقدت مريم بينها وبين نفسها أن معركتها مع الحياة خاسرة تماما، ويكفي أنها ولدت بعرج بيّن في احدى ساقيها، لعائلة تضم تسعة أفراد نصفهم يعاني اعاقات جسدية مختلفة في ريف كافي بائس منعزل عن العالم ولا طريق مسفلت يؤدي اليه الى اليوم، أما الأب فنصف أبله وأما الام فتعاني من اضطرابات عصبية مزمنة، في سن السادسة أصرت أن تدخل المدرسة فتم ارسالها لمدينة الكاف عند أسرة ميسورة، بعد أن علم رب الأسرة بقصتها يوم زار ريفها للصيد وطلب شربة ماء فجاءته بها وحدثته عن رغبتها في الدخول للمدرسة، فعرض الامر على أبويها مقترحا أن يصطحبها معه فرحبا بالعرض وقبلا به بدون قيد او شرط، نجحت في دراستها نجاحا باهرا، ولم تكن تهتم كثيرا بسوء المعاملة واعتبارها مجرد خادمة عليها أن تخدم الجميع بلا توقف ولا مراعاة لسنها، فالمهم عندها أن تنجح في دراستها وأن تشق طريقها نحو الشهائد العليا، وهو ما حصل، تحصلت على الباكالوريا بمعدل ممتاز وتم توجيهها الى كلية الطب فتخرجت طبيب مختصة.
ورأيت اليوم لافتة في مدخل احدى المباني في مدينة اريانة، وعليه اسمها، صعدت السلم اليها ودخلت قاعة الانتظار، حين جاء دوري، التقت عينانا طويلا، بدا عليها بعض الاضطراب، كان واضحا أنها تجهد نفسها لتتذكر، أمسكت بيدي لتقيس الضغط، اخطأت القياس مرتين نتيجة تحديقها المتواصل في عيني، نزلت عن سرير الفحص، واستأذنتها أن أعود اليها في العطلة، فلم تمانع، ولم أشأ أن أخرجها من حيرتها ولا أن أ علمها برحيل هنية التي كانت ترسل لها معي الى الكاف الثياب وما لذ وطاب من خيرات الريف، فقد مر على ذلك سنوات طويلة.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock