تدوينات تونسية

إلى مدير التلفزة الوطنية: تونس ليست عقيما

كمال الشارني
أنا مواطن تونسي أحرص على مشاهدة برنامج السلطة الخامسة على دوشي فيله في مواضيع لا تهمني في أغلب الوقت، لكني أحب فيها الحرفية، أهرب إلى مثل هذه البرامج الأجنبية لأني لا أجد في البرامج المماثلة في بلدي الحد الأدنى من الحرفية، ولا حتى الموضوعية. 
أنا صحفي تونسي أعرف أسرار وكيمياء صناعة برنامج إعلامي ناجح وأعرف، بحكم الزمالة، الكثير من الزملاء في التلفزة ممن يقدرون على تقديم أعمال صحفية ممتازة، لكني أقف حائرا أمام طريقة ومقاييس قبول البرامج وخيبة محتواها غير الحرفي، إلى حد تسليم وقت الذروة لبرنامج قمار يستثمر المال العمومي في الغباء والربح السهل، بدل برنامج إخباري يطرح الأسئلة الحقيقية للناس.
أنا صحفي تونسي متأكد تماما من أن تونس ليست عقيما فيما يتعلق بالعمل الصحفي وأن دماء شهدائها من أجل الحرية لم تذهب هباء، لكن المعضلة في اللوبي المحيط بالتلفزة، والذي يمنح البرامج والإمكانيات لكثير من الذين أثبتوا فشلهم وعجزهم، ويؤثثها بمتحيلين يتقافزون من قناة إلى أخرى، ناشرين الخيبة والفساد والإحباط، لا رصيد لهم سوى علاقات اللوبي إياه والكثير من صفاقة الوجه وقلة الحياة التي ندفع كلفتها المالية من أموالنا.
100 ألف دينار يا إلاه الفقراء 
التلفزة العمومية الوطنية تتخلى عن وقت الذروة لبرنامج قمار غبيّ، لتنضم رسميا إلى قنوات الربح السريع والقمار بمسابقة للفوز بمائة ألف دينار يوميا، بدل أن تنتج برنامجا صحفيا حقيقيا لوقت الذروة، يطرح أسئلة حقيقية مع أجناس صحفية محترفة، من تحقيقات وحوارات وريبورتاجات وثائقيات، تستثمر في الأحلام المزيفة.
الفكرة رابحة ماليا، وهي تذكرني بتلك القنوات الخاصة البائسة التي تنطلق من فكرة أن المشاهد شخص غبي مقامر وأن أفضل ما تفعله معه هو أن تستثمر في غبائه ورغبته في الإثراء غير المشروع بأن توهمه أنه سيكون الرابح الوحيد من ضمن 12 مليون مواطن، حين تطرح عليه أسئلة من نوع: “بلد عربي جار تونس يقرأ من اليمين واليسار عاصمته طرابلس، احتمال 1: ليبيا، احتمال 2: نيكاراغوا، احتمال 3: جنوب إفريقيا”.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock