تدوينات تونسية

هل تدشن انتفاضة القدس موجة الربيع الثانية ؟

زهير إسماعيل
1. كان الربط قويا منذ البداية بين “إسقاط النظام” و”تحرير فلسطين”، وكان الوعي عميقا بأنّ الاستبداد والاحتلال يمنعان المجال العربي من الاجتماع قوة اقتصادية وسياسية وازنة. كما كان الربط عضويّا بين المقاومة والمواطنة، وهو الربط الذي يلغي كل تعارض بين المقاومة والثورة باعتبارها حركة باتجاه تأسيس المواطنة، ويفضح الموقف المتهافت الذي يطالب الناس في بعض السياقات (سوريا) بتأجيل مطلب الحرية والصبر على نظام عائلي دموي.
2. صُنع الإرهاب لكي يكون ثالثة الأثافي إلى جانب الاستبداد والاحتلال، لا لمنع المجال العربي من الاجتماع على المدى البعيد فحسب، وإنّما للإجهاز على الثورة راهنا بعسكرتها وتطييفها وتدويلها ودخول محاور قديمة وجديدة إقليمية، فكان ان ظهر احتلال جديد (روسيا، إيران)، وعرفت أغلب أقطار الربيع حروبا أهلية مدمرة. وكسبت الثورة المضادّة الجولة، واندحر الإرهاب المصنوع، وهو ما جعل القوى المناهضة للثورة المنتصرة تخشى مرحلة الحل السياسي لأنّها قد تمكّٰن الناس من الاختيار الحر. ولا اختيار إلا لشطب الاستبداد الدموي العميل والتمهيد لتأسيس الحريّة رغم حجم الدمار.
3. انتفاضة الأقصى تستعيد لهجة ثورة الحريّة والكرامة في أسلوبها ومضامينها، فالملايين تخرج في البلاد العربيّة والعالم من أجل الأقصى، بما في ذلك المدن التي أثخنتها الجراح (حلب، إدلب). وتستعيد الحشود أسلوب التظاهر السلمي وتستردّ الساحات والميادين. وتبدو حركة الحشود هذه المرّٰة مستعدّة لأقصى درجات البذل.
وتتميّز حركتها بمعطيين جديدين:
المعطى الأوّل: تجاوز حركتها حدود المجال العربي لتعلقها بالأقصى ومدينة القدس، بعد قرار ترامب الأحمق.
المعطى الثاني: أنّٰ ممثّٰل القوّة الأعظم الولايات المتّحدة الذي كان يردّد أمام الحركة الديسمبريّة التي انطلقت من تونس، ثم ليضطرّ إلى “مساندتها” قبل الانقضاض عليها في السياق المصري، وتهيئة ظروف عسكرتها في السياق السوري ويقبل بتحويلها إلى حرب أهلية في اليمن وليبيا، ممثٰل هذه القوّة الأعظم يجد نفسه في مواجهة هذه الموجة الثانية التي فجّرها قراره الأحمق، بعد أن اختزنت كلّ غبن “الموجة الأولى” ومظالمها وشرورها. ولذلك فإنّ إسقاط النظام سيتجاوز إسقاط نظام الاستبداد إلى “النظام العولمي” وما أسسه من مناويل (حرق صور ترامب والعلم الأمريكي سرت في العالم).
4. كان ديسمبر منطلق “الموجة الأولى” وها هو ديسمبر منطلق “الموجة الثانية”. الأولى انطلقت من أفريقية باتجاه فلسطين والثانية من القدس باتجاه أفريقية ثم إلى أقطار المجال العربي وبعض دول العالم الإسلامي وبقيّة العالم. لتثبت أنّها فعلا ثورة الألفيّة الثالثة، وستتواصل موجاتها وهي تجري إلى غاياتها ومنتهاها انتظاما أفقيا جديدا يكون أحد اهم شروط “إدارة التعارف”.
من هذا المنطلق يصبح “إسقاط القرار” هدفا مهما يمهّد لاجتماع شروط الخروج من “إدارة التوحّش” التي فرضتها الثورة المضادّٰة بقواها العنيفة المحلية والإقليمية والدوليّة إلى حركة الحشود في الساحات والميادين لتأسيس المواطنة وبناء الديمقراطيّة وتحقيق الرفاه. وسيكون بإمكان هذه الانتفاضة فرض علاقة التلازم بين المقاومة والمواطنة، فلا سبيل للجمع بين مناصرة فلسطين ومناهضة المواطنة. وهذا ما سيعيد الأمور إلى نصابها ويغلق قوس الانحراف المفروض ويطلق فرزا عميقا أساسه تلازم المقاومة والمواطنة.
حديثنا هذا يتنزّل ضمن الرؤية وتعديل البوصلة… ويمهّد لخارطة طريق تحتاجها المرحلة.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock