تدوينات تونسية

الحريّة والتحرّر مسار واحد… حتّى لا نكرّر مأساة سيزيف

سامي براهم
يتعالمون… لن تُحرّروا فلسطين بالتّغريدات والصّور والمسيرات والمظاهرات والخطب والبيانات والشّعارات والأشعار والأغاني الثوريّة… لا ندري كأنّهم يعدّون أنفسهم لميدان القتال وافتقدونا بين الصّفوف…
يتفاخرون… لا تردّدوا أنّ تحرير القدس يمرّ عبر تحرير عواصم العرب من الفساد والاستبداد…
فأقصر طريق للتحرير هو أن تخلّوا سبيل “الموقاومة” المأمورة وتصطفّوا خلفها لتهديكم النّصر والتّحرير… لا ندري هل بقي في جعبتها عتاد بعد ما أنفقته لإخضاع عدد من عواصم العرب وشعوبها لمستبدّيها ومخرّبي ثوراتها.
يتوهّمون… أنّ التّطبيع مع الكيان الغاصب سيحميهم وينجيهم من رياح التغيير حتّى لا تعصف بعروشهم… لا يعلمون أنّ أثر الفراشة قادم سيتحوّل عاصفا مهما تأجّل فعله الكاسح وطال عمر ممالك الجزية وعسكر الرزّ.
يقولون عنّا مثاليّين وعاطفيّين لا نفقه في الجيواستراتيجيا والسياسات الدوليّة والإقليميّة وفنون التحليل والتقصّي والاستشراف والتنجيم والعرفان السياسي…
نعم نعترف أنّ كلّ ما نفقهه في هذا العمر المتقدّم بعد أن طوّحت بنا الأيّام والمحن والمعارف المكتسبة هو أنّ ساعة التحرّر والنّهوض طرقت أبواب الشّرق بعد طول انتظار… وأن لا تناقض بين مسار بناء الحريّة والمواطنة ومسار التحرّر الوطني… وأنّ كلّ فصل أو تمييز بينهما لصالح أحدهما على حساب الآخر هو استبلاه للعقول وتزييف لسنن التّاريخ… وأنّ الإسلام عندما أُفرغ من روحه التحرّريّة تحوّل إلى دين طقوسي وثنيّ منتج لكلّ حماقات البشر وعبثهم و عدميتهم.
إذا كان ما فهمناه بعد طول معاركة للأفكار والوقائع والنّوازل التي حلّت بنا باطل فمعنى ذلك أنّ منطق التحرير والتنوير والتحرّر عبثيّ عدميّ ويدور في نفس الحلقة المفرغة التي يريد الانعتاق من عبثيّتها التراجيديّة… وكأنّك يا بوعزيزي ما اشتعلت لتضيء العتمة وتلهب أشواق الحريّة.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock