تدوينات تونسية

المناعة الوطنية

نضال السالمي
ماذا تفعل الإمبريالية اليوم، أو لنقل الطّاغوت الكوني ؟؟
إنّها تقوم بتوظيف ثورات الشّعوب لصالحها، هذا إن لم نقُل أنّها تشرفُ منذ البداية على كلّ الربيع العربي..
إنّها تشتغل بدهاء بالغ على تقوية كلّ مبرّرات الحقد السياسي والإيديولوجي كي تمنع جميع النُّخَب السياسية من الوحدة بهدف قيادة مشاريع نهضة حقيقية..
إنّها تدفع أموالا سخيّة لشراء الإطارات الكُبرى والقيادات الفاعلة وخاصة لتوجيه الإعلام صوب تهميش القضايا الجوهرية لصالح مشاكل تافهة ولا معنى لها..
إنّها تعمل على تفتيت كلّ الروابط الوطنية لخلق مجتمع ضعيف وسهل الإختراق: تحييد الإسلام كرابطة عالمية ووطنية جامعة، إثارة النّعرات الجهوية والطائفية والطبقية، خلق منظّمات تدافع عن الأقليّات وتمكينها من منابر كبيرة للتّغطية على هموم الأغلبية.. إلخ
إنّها تصنع الإرهاب لتحريف هموم الشعوب.. وليكون مطيّة أحقاد داخلية: فلان إرهابي.. فلان متواطئ.. إلخ.. ثمّ أساسا لوصم كلّ معارض لهذا التوجّه الإمبريالي بالإرهابي وبالتّالي التمكّن من القضاء عليه سريعا إمّا بالسّجن أو هزمه سياسيّا..
إنّها تمتلك جميع أدوات الإغتيال النّظيف أي دون ترك بصمات وأدلّة.. وآلة إعلامية ضخمة يمكنها جعل الإغتيال مبرّرا لإعدام الأحلام السياسية العامة جميعا: منذ موت المرحوم شكري بلعيد مثلا وقع توجيه كل الطاقات الوطنية صوب متاهة بلا نهاية: من قتل شكري ؟؟ ولنا عبرة لم نعتبر بها: من قتل الحريري ؟؟
إنّها تستغلّ إنشغال الشعوب البائسة بالهموم المزيّفة الّتي يطرحها الإعلام والنّخبة السياسية الفاسدة والنخبة الثورية الحمقاء.. وتقوم بالتّمكين للتمدّد الصهيوني في مفاصل الأمّة ومزيد إخضاع الحكام لذلك: آل سعود وآل نهيان كأفسد سلالات عربية صاروا يشرفون بشكل واضح على تدمير الأمة بالتعاون المكشوف مع آل صهيون.. ثمّ ما نراه من تفاهمات سرية مع مصر ضد القضية الفلسطينية.. إلخ
ختاما: هذا ما يفعلهُ الطّاغوت العالمي.. ونحن ماذا نفعل ؟؟؟
نحن نقوم أيضا دون وعي ربّما وحتّى عن حسن نية… بالمساهمة الفعّالة في تحقيق برامج الإمبريالية عبر تكريس الأحقاد السياسية.. والدفاع عن برامج الإمبريالية للهيمنة: منظومة الديمقراطية الليبرالية والعلمانية والحداثة العسكرية.. كلّها أذرع سياسية وثقافية لتكريس حالة إنهيار للمناعة الوطنية: إنّها السّموم داخل العسل.
أعتقد جازما أنّه لبناء نهضة حضارية حقيقية فلا بدّ من وحدة تامة بين جميع المكوّنات السياسية الكبرى والمؤثّرة.. وبالتّالي فإنّ السياسي الحكيم اليوم هو من يسعى لإنتاج خطاب توحيدي وتجميعي.. أن يلملم شتات الوطن المهدور.. وهكذا فإنّي كلّما وجدتُ أحد المنتفخين غرورا من كلّ المشارب ينتجُ خطابا يفيض بالشّتائم لشتّى خصومه السياسيين إلّا وآعتبرتُهُ رغم ثوريّته أحد دعائم الإستعمار الإمبريالي.. فإنّ الغزاة يتسلّلون دوما من شقوق الحقد.. وإنّ الثوّار الّذين يفتقدون الذكاء والحكمة يتحوّلون فورا إلى عملاء أشدّ خطرا من الوكلاء المعروفين.

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock