تدوينات تونسية

الإتّحاد العالمي لعلماء المسلمين، ما له وما عليه

سامي براهم
هو مؤسّسة علميّة أرادت ان تكون ذات صفة مرجعيّة في العالم السنّي، مؤسّسوه لهم مراتب علميّة مرموقة ومشهود لهم بالكفاءة رسميّا من مؤسسات علميّة عموميّة عريقة في بلدانهم.
مؤلّفاتهم تصنّفهم ضمن مسمّى الوسطيّة الإسلاميّة التي تشتغل على توسيع قواعد الاجتهاد وتطويرها وتفعيلها من داخل سياج العلوم والمعارف الإسلاميّة التراثيّة.
المنشورات التي أصدرها الاتّحاد تندرج ضمن هذا التوجّه الوسطي ذي النّفس الاجتهادي التّجديدي مع محاولة تقديم أجوبة علميّة على القضايا الحادثة المطروحة على الضّمير الدّيني في السياسة والاجتماع والمعرفة وإدارة الشّأن العامّ.
لا يمكن لباحث نزيه مهما كان تقييمه للحصيلة المعرفيّة لهذه المدوّنة أن يصنّفها ضمن الفكر المسوّغ للتطرّف والعنف والإرهاب وإضفاء المشروعيّة الدّينيّة على الفوضى والتوحّش والاستبداد.
لماذا إذا يلاحق هذا الاتّحاد ويشيطن سواء من طرف نخب علمانيّة محسوبة على تيّار الحداثة أو دول مصنّفة ضمن أنظمة الحكم الفردي التقليدي ؟
يمكن اختزال هذا الجدل حول هذا الاتّحاد في جملة من النّقاط:
السيرة الذّاتيّة لبعض علمائه المؤسّسين والملتحقين التي تحيل على انتماءات حزبيّة وانخراط في تدافعات سياسيّة سابقة سواء مع أنظمة دولهم أو مع خصوم سياسيين وأيديولوجيين.
استفادة منظوري تيّار الإسلام السياسي ذي التوجّه الإخواني من أدبيّات هذا الاتّحاد وأعلامه وتوظيفها في صراعهم مع خصومهم من التيّار العلماني ممّا أعطى الانطباعا انّه يشكّل سلطة مرجعيّة للمدد المعنوي والرّمزي والإمداد الفكري الذي يستفيد منه هذا التيّار.
عدم اكتفاء هذه المؤسّسة التي يفترض كونها علميّة بالدّور المرجعي في المجال المعرفي الدّيني والفكري والفتيويّ إلى المجال السياسي حيث تجاوزت مجرّد إبداء الرّأي في القضايا التي تخصّ المسلمين والتوجيه والتّأطير العامّ إلى اكتساب سلطة مرجعيّة سياسيّة تخوّل التدخّل في شؤون الدّول وسياساتها العامّة الدّاخليّة والخارجيّة والاصطفاف مع هذه ضدّ تلك.
تراكمت كلّ تلك المعطيات وتعمّقت مع ثورات الرّبيع العربي وخاصّة الثورة السّوريّة التي تحوّلت إلى حرب ضدّ الإرهاب، ووصلت أزمة الاتّحاد أوجها مع الانقلاب العسكري في مصر والأزمة الخليجيّة الرّاهنة.
بقدر ما كانت مساهمات الاتّحاد في الجانب المعرفي لافتة وثريّة كان أداؤه في الجانب السياسيّ مرتبكا ومثيرا للجدل في عديد القضايا الحسّاسة والمعقّدة، ممّا شوّش على وظيفته المعرفيّة والتّأطيريّة في مجال الحوار بين النخب الفكريّة والعلميّة والباحثين حول قضايا تجديد الفكر الإسلامي.
أزمة الاتّحاد التي وصلت حدّ تصنيفه ضمن تنظيمات الإرهاب تؤشّر على صعوبة الجمع بين وظيفة السياسيّ خاصّة في واقع معقّد مركّب شديد التقلّبات، ووظيفة المثقف خاصّة إذا كان ينتمي إلى دائرة علماء الدّين والشّريعة.
كان أحرى بالاتّحاد أن يكتفي بالوظيفة العلميّة وينأى بنفسه عن الانخراط المباشر في الصّراعات السياسيّة حتّى لا يتحوّل من جهة تأطيريّة توجيهيّة وقوّة تعديليّة إلى طرف في هذه الصّراعات المدمّرة التي تشهدها المنطقة.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock