تدوينات تونسية

مدينتي التي أعرفها ترفض أن تتجمّل بالأصنام

محمد القطّي
خطير ما يحدث في صفاقس 
بعد الفضيحة التي وقعت في إجتماع الجلسة التمهيدية الأخيرة ببلدية صفاقس الكبرى التي بيّنت نية القادة الجدد الذين على ما يبدو تحرّكهم أطراف غايتها بعث الفوضى والبلبلة في المدينة الهادئة فقد انكشفت نيّة هؤلاء في الانقلاب على برنامج الميزانية التشاركية التي تفاعل معها المواطن في صفاقس بكل جدّية ونجاح فها هو يتسرّب خبرا مفاده أن برنامجا أعدّ لتركيز صنما لبورقيبة في ساحة باب الجبلي.
من خوّل لهؤلاء أخذ مثل هذه القرارات وهم في وضع المؤقّت وفي فترة انتقالية والكل يترقّب الانتخابات البلدية القادمة وهل أن الوضع الاقتصادي للبلاد والوضع الانتقالي يسمح بمثل هكذا مشاريع عشوائية لهدر مئات الملايين والوضع العام في حاجة ملحّة اليها، فإن كانت غايتهم تجميل المدينة فكان الأولى رفع الزبالة المرميّة في شوارع المدينة، ام أنكم تريدون لصفاقس أن تصبح مدينة أصنام بلا مشاريع جادة ولا بنية تحتية تليق بمستوى المدينة وطموحات أهلها. فمدينتي التي أعرفها ترفض أن تتجمّل بالأصنام فهي مدينة المقاومة والزيتون.
وإن كانت غايتكم تخليد الرجل وتاريخه فدعنا نرى ما أنجزه بورقيبة لولاية صفاقس حتى نجعل له صنما:
ألم يكن وراء إحداث شركة NPK في الستينات لتزيد معانات التلوث على ما تفرزه SIAPE في المدخل الجنوبي للمدينة وضاع شاطئها وتلوثت مياه شواطئها التي تحتوي على أكبر عدد من الجزر بين مدن تونس.
ألا يعلم من يمسكون حاليا بأرشيف البلدية أن في زمن حكم بورقيبة أعطى أوامره لتحويل مبالغ ماليّة طيلة عشرات السنين من خزينة البلدية الى ولاية المنستير (حتى أصبح يزورها الأجانب وهرب أهلها منها).
أليس بورفيبة هذا الذي ستجعلون له صنما في ولاية صفاقس هو من قسّم التونسيين في نفس هذا التاريخ في 15 نوفمبر 1955 حين أعدّ له المرحوم الحبيب عاشور مؤتمرا ليعيد مجده بعد أن أطفئت شعلته عند الشعب والحزب الدستوري آنذاك بعد الخيبة التي نالها الشعب التونسي منه عند عودته من فرنسا في استقبال لم يرتقي الى الاستقبال الذي ناله عبد العزيز الثعالبي عند عودته من المشرق (وقد حزّ في نفسه ذلك) زاعما أنه تحصّل على الاستقلال وفي الحقيقة ما قام به هو مجرّد استقلال داخلي أو ما سمّي بـ (interdépendance) بين فرنسا وتونس وأنجر عنها استياء كبير من قيادة الحزب والباي نفسه واستعملوا في هذا المؤتمر كل أشكال البلطجة والتقفيف لمنع صالح بن يوسف من الحضور بعد ما أصطفّ وراءه أغلب الشعب التونسي من بنزرت الى بن قردان لمقاومة الاحتلال وإخراجه مذلولا مدحورا بدون شروط على غرار ما قامت به الجزائر عند نيل استقلالها الفعلي وبكل فخر وتحصّلت على وثيقة استقلاها التام أما وثيقة استقلال تونس فهي محفوظة في أرشيف “quai d’Orsay” في ملف “top secret” والشعب التونسي يجهل تماما ما خطّ فيه ومنذ ذلك المؤتمر أنقسم التونسيون الى قسمين قسم يفضل التفاوض والخنوع لشروط المحتل وقبول التحكّم في مؤسسات الدولة الجديدة معتبرا حساباته ومكاسبه الشخصية أهم من مكتسبات الشعب وقسم رفض هذا التمشّي وأصر على المقاومة لدحر الاحتلال وفك الارتباط الكامل بفرنسا التي قرّرت إخراج عسكرها من تونس لكنّها أبت إلا أن تنصّب على تونس من يرعى مصالحها ومكاسبها وهي التي جعلت من إفريقيا مصدرا لملأ خزينتها باستعمال ما سمّي بالأداء الاستعماري “l’impôt colonial” على أربعة عشر دولة من مستعمراتها في إفريقيا. هذا التقسيم مازال الشعب التونسي يعاني منه ويفكّك أوصاله وتواصله وهو يسقط التقسيم المحدث بعد الثورة بين تقدّميين ورجعيين ليبقى التصنيف الأصح هو ما هو مألوف عند بعض التونسيين بين “قلاّقة” و”قوّادة”… فكلا القسمين موجود في كلا الفريقين فهل من أخذ مثل القرار من أحفاد الفلاقة أم من أحفاد القوّادة…؟؟
أرض صفاقس الطاهرة التي سقى ترابها دم الشهداء في معركة جوان 1881 ضد المحتل الفرنسي لن تقبل بأن يبنى فوقها صنما لمن حمى مصالح المحتل على حساب الشعب التونسي وهي مازالت الى الآن لا تعلم من اغتال أبناءها المناضلين مثل فرحات حشّاد والهادي شاكر.
كيف تقيمون صنما لرجل اغتال رفيق دربه في النضال غدرا ليقال عنه الزعيم وكل الألقاب زورا وبهتانا ليجثم على صدور التونسيين طيلة عشرات السنين ثمّ يرمى به في الإقامة الجبرية تحت صمت مناصريه وأتباعه حتى يفارق الحياة لتقام له جنازة غاب عنها من يسعى اليوم للتجارة الخسيسة به ليعيد مجده الكاذب بأصنام تبنى هنا وهناك. أتركوا الرجل يستريح في قبره وادعوا له بالمغفرة وكفى إستبلاها للشعب التونسي…

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock