تدوينات تونسية

إصلاح الصًناديق الإجتماعيّة: لماذا يتحمّل كلفتها الأجراء والشّغاّلون؟

صالح التيزاوي
يبدو أنّ الحكومة ماضية في التّمديد بعامين في سنّ التّقاعد لإنقاذ الصّناديق الإجتماعيّة من إفلاس محتمل. فهل هذا هو الإجراء الأمثل؟ وهل يتحمّل الأجراء والشّغاّلون هذه الإضافة بعد أن قضّوا أعواما طويلة وهم بين الفاقة والخصاصة وظروف الشّغل السيّئة التي أسلمتهم للأمراض ؟ ماذا يمكن أن يتبقّى من الأجراء وقد أدركوا السّتين من العمر حتّى نرهقهم بعامين إضافيين؟
لقد اختارت الحكومة لنفسها أسهل الحلول، ولكنّها أشدّ إيلاما للأجراء والشّغّالين. كان من اللّازم على الحكومة قبل هذا الإجراء التّعسّفي الذي لم يراع مصلحة الشّغّالين أن تقوم بخطوات لابدّ منها:
1. التّدقيق في أسباب عجز الصّناديق للوقوف على حقيقة ما جرى، وإن كان العجز بسبب الفساد، لا بدّ من محاسبة المسؤولين عنه، حتى لا يتكرّس في الواقع مبدأ الإفلات من العقاب، كما حدث مع تمرير “قانون المصالحة الإداريًة” سيّء الذّكر. فهل أصبح الإفلات من العقاب خصوصيّة البلاد التي اندلعت فيها أولى الثّورات العربيّة ودشّنت ربيع العرب؟
2. أن تأخذ بعين الإعتبار خصوصيّة بعض المهن التي اعترفت الحكومة بأنّها شاقّة كالتًعليم.
3. لماذا لم تترك التّمديد بعامين مسألة اختياريّة؟
يبدو جليّا أنً الحكومة مصمّمة على اختياراتها غير الشّعبيّة والتي تتناقض جوهريًا مع استحقاقات الثّورة. كيف يمكن في بلد بلغت فيه البطالة في صفوف الشّباب وخاصّة من حاملي الشّاهادات الجامعيّة أرقاما قياسيّة أن يمدّد في سنّ التّقاعد؟ أليس في هذا الإجراء تعميقا لمأساة شبابنا وسدّا لأبواب الأمل في وجهه ودفعه نحو المجهول ؟
ألا تعمل الحكومة بمثل هكذا إجراء إلى الدّفع به إلى اليأس والإنحراف و”الحرقة”؟ كيف يمكن لبلد ما أن ينهض وطاقات شبابه معطّلة يبدّدها في المقاهي وفي “الزّطلة”؟ على الحكومة أن تكفّ عن طلب التّضحية من الفقراء وحدهم، ألا يكفي ما يعانونه من غلاء المعيشة والعمل في ظروف سيّئة؟ هل أصبح الأجراء والشّغاّلون يمثّلون صندوق تعويض للدّولة لتغطية سرقات اللّصوص؟ لقد آن الأوان أن تبحث الحكومات عن المال في جيوب الأثرياء والمتهرّبين من الضّرائب؟
أليس من العدل قبل التّمديد بعامين في سنّ التّقاعد أن تستخلص الدّولة ديونها من رجال الأعمال الذين نهبوا المال العام وامتنعوا عن التّسديد؟ هل أصبح الفقراء في هذا الزّمن الأغبر يسدّدون عجز البنوك التي نهبها الأثرياء، وينقضون الصّناديق الإجتماعيّة من إفلاس ألحقه بها الفاسدون ؟ هل أصبحنا في بلد يكافأ فيه اللّصوص ويدعى الفقراء إلى تغطية سرقاتهم؟
أين نحن من حديث رسول اللًه: “واللّه لو أنّ فاطمة بنت محمّد سرقت لقطعت يدها”. هذا عدل رسول اللًه أمّا حكوماتنا فإنّها تستبسل في استصدار قوانين العفو عن اللًصوص والفاسدين أكثر من استبسالها في إحداث التّنمية. لقد ثار الشّعب على الفساد لمحاسبة الفاسدين، لا ليصبح الوطن مرتعا للفاسدين. أم تراها الثّورة قد قبرت كما قبرت العدالة الإنتقاليّة وكما قبر ذلك الشّعار الشّتويّ الجميل: “الشّغل استحقاق يا عصابة السّرّاق”.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock