تدوينات تونسية

مرحبا بالشتاء مرحبا بالبرد

الطيب الجوادي
الجوادي أيام البرد في العاصمة مثل السمكة في الماء
هكذا انا: اعشق البرد في العاصمة، فتتملكني سعادة غامرة، وأقبل على الحياة، فآكل جيدا وأنام جيّدا، واركش تحت الفراشية لأشاهد أفلامي المفضلة، وأقرأ كثيرا وأكتب كثيرا وأتمتع بكل لحظة في حياتي.
والحقيقة ان سعادتي بالبرد في العاصمة تغيظ المدام كثيرا، هي التي تفضل حرارة الصيف على برد الشتاء، ولا تفهم المسكينة كيف أستقبل البرد بكل هذه الحفاوة وأرفض الالتجاء للسخان، وأنتقل بين الغرف بلباس صيفي، بينما تتكدس هي وبقية أفراد العائلة في غرفة واحدة أمام سخان غازي، يجعل من الغرفة قطعة من جهنم !
وكيف لا أحتفي ببرد العاصمة، الذي مهما قسا لا يمكن ان يقترب او يعادل برد قريتي الكافية، حين كانت درجة حرارة البرد المصحوب بالثلج تصل إلى الصفر او تنزل دونه، ولم يكن ينفع معه لا الكانون ولا الأغطية الصوفية التي يتم تكديسها فوقنا أثناء النوم، ولا أي وسيلة تدفئة أخرى.
كان الشتاء الكافي يداهمنا ومعه “عزراوين” ملك الموت
فلا يغادرنا إلا وقد أخذ من كل أسرة نفرا او نفرين، كان الشتاء موسم الموت بامتياز، موسم الفراق والدموع.
كنا نستقبل برد الشتاء في ظروف مأساوية، بدون أغطية ولا ملابس ملائمة ولا تغذية مناسبة، كنت ألبس قشابيتي وأنتعل بوطي الكاوتشو وأقصد المدرسة، وكثيرا ما تتسرب المياه الجليدية من ثقوب البوط، فتتجمد أصابعي من البرد، وأطلب من سيدي المعلم ان يسمح لي بالجري في الساحة لأعيد لها الحياة، وبمجرد ان نغادر المدرسة نشعل النار في بعض الأخشاب، قبل الوصول للدوار، ونضع أرجلنا في النار الملتهبة، فلا نشعر بالدفء، الا مع انتشار رائحة الكاوتشو واللحم المشوي.
وهناك من يتحدث اليوم عن البرد.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock