تدوينات تونسية

حلول الفتى الذهبي للتحكّم في الأسعار

عبد اللّطيف درباله
تسوّقوا من المغازات الكبرى..
اشتروا خضركم وغلالكم ولحومكم ودجاجكم وأسماككم.. من المغازات الكبرى..
في المغازات الكبرى أرخص الأثمان..
تعالوا إلي حيث الأثمان المخفّضة بالمغازات الكبرى..
تخفيضات مدهشة في “قضية الدار” بالمغازات الكبرى..
كان هذا الإشهار المجّاني برعاية يوسف الشاهد رئيس الحكومة التونسية..!!!
ولم يقع بثّ الإشهار في ومضات ضمن فواصل بين أو أثناء البرامج التلفزية والإذاعية.. ولا على صفحات الجرائد والمجلاّت أو في معلّقات الشوارع.. مسبوقا بكلمة “إشهار”..
ولكن وقع بثّ هذه الإشهارات مباشرة في نشرات وأشرطة الأخبار.. وعلى المواقع الرسميّة للدولة والحكومة..!!!
أمّا الوجه الإعلاني للومضات الإشهاريّة فقد كان الفتى الذهبي رئيس الحكومة يوسف الشاهد نفسه شخصيّا.. متطوّعا وبدون مقابل..!!!
فقد تفتّقت قريحة رئيس الحكومة يوسف الشاهد عن فكرة عبقريّة لمقاومة غلاء أسعار المواد الأساسيّة بالأسواق التونسيّة وتراجع القدرة الشرائيّة والمعاشيّة للمواطن.. فلم يجد حلاّ إلاّ أن يستدعي مديري الفضاءات التجارية الكبرى.. ويجتمع معهم على طاولة الاجتماعات الكبرى بقصر الحكومة بالقصبة.. طالبا منهم تجميد الأسعار وتخفيض ثمن المواد المعاشيّة الأساسيّة..!!
يعني حكومة بطمّ طميمها.. لم تجد حلولا للتحكّم في الأسعار إلاّ إستجداء أصحاب الفضاءات التجاريّة الكبرى أو الضغط عليهم..!!
برغم أنّ الحكومة تملك كلّ الآليّات القانونيّة والتشريعيّة والتجاريّة والماديّة والبشريّة.. لمقاومة موجة الغلاء.. وذلك عبر توجيه وترشيد الإنتاج الفلاحي والغذائي مسبقا.. وتقدير تاثير التفاوت بين العرض والطلب بحسب الاحصائيّات ونسق تزويد السوق على الأسعار ووضع الحلول الوقائيّة لذلك.. والسيطرة على مسالك التوزيع.. ومنع الاحتكار والمضاربات.. وتخفيض عدد الوسطاء وهوامش الربح.. وتسعير المنتجات.. وتكثيف أعمال المراقبة الاقتصاديّة.. وكذلك تعديل السوق عبر توريد المنتجات الناقصة والغالية بواسطة وزارة وديوان التجارة.. أو بواسطة التجّار الخواص..
لكنّ رئيس الحكومة الذي يبدو أنّه لا يحسن استعمال “ماكينة” الدولة.. اختار أسهل الحلول.. وأكثرها غرابة.. محقّقا بذلك إشهار “رسميّا” “حكوميّا” ومجانيّا للفضاءات التجارية الكبرى التي تسيطر عليها عشرة عائلات على حساب عشرات آلاف صغار التجّار الذين يعيلون عائلاتهم..
فقد أوحت الدولة عبر حكومتها لعموم المواطنين بأنّ المغازات الكبرى وحدها تراعي حالتهم الماديّة وجيوبهم.. وتوفّر لهم حاجياتهم الغذائية بأسعار منخفضة ومناسبة.. وذلك “بضمان وشهادة الحكومة”..!!!
في حين أنّ الجميع يعرف.. والإحصائيّات تثبت بأنّه وبرغم تعملق الفضاءات الكبرى.. وضخامة أرقام معاملاتها في تونس.. فإنّ نسبة التونسيّين الذين يعتمدون عليها في شراء حاجاتهم الغذائية الأساسيّة هي ضئيلة جدّا.. ولذلك لا تزال هذه الشركات تسعى للانتشار السريع والواسع في كلّ المدن والمناطق السكنيّة حتّى الصغيرة منها.. عبر نشر وافتتاح مغازاتها الكبرى والصغرى في كلّ مكان وفي كلّ حيّ..
كما أنّ أغلب وربّما 90% من الحرفاء الذين يتسوّقون من الفضاءات الكبرى ولا يشترون مع ذلك خضرهم وغلالهم واللحوم والأسماك من تلك المغازات ربّما يفوق الـ 90%.. كما تثبته حتّى المعاينة المباشرة وطبعا الأرقام والإحصائيّات..
وبالتالي فإنّ ما قام به رئيس الحكومة هو في الحقيقة دفعة قويّة للفضاءات التجاريّة الكبرى وخدمة كبيرة لها لإنعاش إستهلاك أنواع من البضاعة لا تحظى عادة بالنسبة الأغلب من مبيعاتها..!!!
ثمّ لنفترض جدلا بأنّ ما حصل كان فعلا فكرة جيّدة وناجعة لمقاومة غلاء الأسعار.. تليق بالدولة ورجل دولة..
فهل كان يجب أن يقوم بالاجتماع بمديري الفضاءات الكبرى رئيس الحكومة نفسه شخصيّا بجلالة قدر المنصب؟؟؟!!!
ألم يكن الأجدى أنّ من يفعل ذلك عند الضرورة يكون وزير التجارة أو حتّى كاتب الدولة للتجارة أو مدير عام كبير بالوزارة؟؟!!
هل تتخيّلون مثلا رئيس حكومة فرنسا يجلس هو نفسه شخصيّا في اجتماع رسمي بقصر الحكومة مع مديري “كارفور” و”جيان” و”مونوبري” وغيرها.. ليطلب منهم تخفيض الأثمان..؟؟!!
وكيف يمكن لعون مراقبة اقتصاديّة مستقبلا أن يتفقّد مغازة كبرى ويحرّر لها مخالفة اقتصاديّة عند الاقتضاء ومديرها يجلس شخصيّا مع الحاكم الأوّل لتونس (أتحدّث عن المنصب نظريّا وليس واقع الحال) ليستجديه تخفيض الأسعار.. حتّى يخفّض رئيس الحكومة من السخط الشعبي ضدّ حكومته بما قد يهدّد مستقبلها.. ومستقبله..!!
لك الله يا تونس. .!!!

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock