مقالات

بلاد الحرمين قد يهدمها أحمق الصبية

أبو يعرب المرزوقي
إلى حد الآن لم أعلق على ما يجري في السعودية بعد عزل ولي العهد السابق. فإني لم أر فيما يجري جديدا: نفس التجربة تقريبا عاشتها كل بلاد العرب. واعتبر ذلك من ثمرات نظرية شرعية المتغلب التي يعللها الفقهاء بتجنب الفوضى في حالة عدم وجود حاكم بناء على حديث يتكلم على كفر من يبيت بلا حاكم. وهي فلسفة مدخلية جعلت العلة الحقيقية لوجود ما أرادوا تجنبه: لكأنهم يقولون بـ”داوني بالتي هي الداء”. فشرعية المتغلب تعني الاستغناء عن الشرعية.
فكل متغلب مستغن عن الشرعية ومكتف بالشوكة. ولما كان يعلم أن الشوكة لا تبقى إلا بعملها فإنه يكون شوكة دائمة لئلا تفتك منه الشوكية شوكة أقوى منه. فيكون أساس بقائه نفي وجود غيره. وغيره كل ما يتوقع منه قدرة قد تصبح شوكة: فتكون الجماعة حينها في حرب أهلية دائمة وتآمر لا يتوقف لحصد الرؤوس. فذلك ما عرفت به انظمة الخلافة ثم الأنظمة العربية التي حكمت بالانقلابات وها نحن نرى الأنظمة القبلية العربية تلحق بالأنظمة العسكرية العربية.
الأمر الجديد الوحيد الذي يستحق التعليق هو أن هذه الحركة في الخليج ليست حركة ذاتية مثل التي سبقتها في الخلافة بل هي أكثر من العسكرية تبعية. في انظمة الخلافة العربية والتركية وخاصة في عصر قوتهما كانت العملية تتم بهذا المنطق ولكن داخليا وليس بتدخل أجنبي بين أطراف النزاع على الحكم. لكن ظاهرة التدخل الأجنبي في الخلاف بين القوى السياسية المتصارعة على الحكم بالتغلب ليست بالأمر الجديد في الدول العربية العسكرية والقبلية. فوجود الدول العربية كله ثمرة التدخل الأجنبي ولذلك فهي ليست دولا ذات سيادة بل هي محميات أنشأها الاستعمار ويحافظ عليها بمن يختاره واليا فيها. صحيح أن هذه “الدول” كانت موجودة قبل التدخل الاستعماري الحديث. لكنها في الأغلب كانت إما قد نكصت إلى الجاهلية أو يحكمها أجانب من الحامية. وإذا كان هذا صحيحا على التي تفاخر بأنها دول عمرها سبعة ألاف سنة (مصر) وثلاثة ألاف سنة (تونس) فهي تكذب على نفسها وعلى شعبها لأن من حكمها هم غزاتها.
وهنا لا بد من شيء من الجدية: فما ينسب إلى أبو ظبي أمر مضحك. من يسمونه شيطان العرب دمية أكثر من بقية حكام العرب. فما يجري يتجاوز حجمه وعقله. وحتى قواد إسرائيل من مستشاريه فهم من أغبى مخلوقات الله ومثلهم جل رجال الاعمار العرب نساؤها: ابحث عمن وراءهم من أهل العجل الذهبي: دمى لا غير. ولننظر بجدية لما يجري -وهنا لا بد من إشارة لحكام قطر- لا تغتروا كثيرا بالمديح حتى لا يصيبكم الغرور ككل حكام العرب فتتوهمون القدرة دون الحجم. فما حققه العدو في تقزيم الحجوم حتى لا تتحقق شروط الدولة السيدة لا يتبع الإرادة المجردة مهما كانت خيرة بل هو مشروط بقوانين القدرة الفعلية. والقدرة الفعلية رهن الشروط التي يفرضها منطق العصر: لذلك فهمت ألمانيا وفرنسا بعد الحرب الثانية أنهما فقدتا هذه الشروط ففكرتا في استرجاعها. ما بين ألمانيا وفرنسا من الحروب منذ العصور الوسطى إلى نهاية الحرب الثانية لن يقدم على تجاوزها إلا من فهم أنه من دون ذلك سيفقد السيادة.
بيت القصيد أن ما يجري في السعودية مشترك بين كل الانظمة الفاقدة للسيادة ناهيك عن التي أنشأها الاستعمار وليس لها تاريخ سيد منذ البداية. وطبعا فالمستعمر لا يمكن أن يسمح بوجود قيادات تفهم هذه المعاني بل هو يختار لها مثل كل الحمقى الذين حكموا مصر وتونس والعراق وسوريا والسعودية. فكلهم إذا سمعت كلامهم ظننتهم وطنيين لكنهم مجرمون في علاقتهم بشعوبهم رغم كونهم أذل خلق الله أمام من نصبهم على محمياته التي يسمونها دولا.
وإذن فلا جديد: سيحصد جيلا بدأ يصبح ذا طموح للمشاركة في بناء دولة فيقطفهم حتى تبقى محمية ولن تطمح في تكوين رجالات يمكن أن تفهم شروط الدولة. كذلك فعل عبد الناصر والقذافي وصدام وهلم جرا.. ولما كان للسعودية الثروة المادية والتراث الروحي فأهم طريقة لحاميها أن يقضي على هذين العاملين. وهذا هو ما يحدث بالذات: أمريكا وإسرائيل تبتزان الامراء فيقتتلون لترضيتهما. وروسيا وإيران يحاصرونها حتى لا يبقى لهما منافس في قوتهما المادية. وما لا يستطيع أي من هؤلاء المبتزين والمحاصرين للسعودية لعلل مادية أن ينافسها فيما لديها من قوة روحية فقد تكفل ذلك الحمقى من نخبها وحكامها. لكن هذه القوة الروحية ليس ملكا لنخب السعودية وحكامها بل هي ملك المسلمين كلهم. ولهذه العلة أجد نفسي ربما أكثر اهتماما بها ممن ظنوها ملكهم. لهذا أكتب فيما يجري في السعودية ولا أؤمن بأن أهل مكة أدرى بشعابها. فأهل مكة صارت قيادتهم النخبوية مريضة بحداثة وهمية ولحق بهم أحمق حكامهم فصاروا مثل جحا يقطعون الغصن الذي يجلسون عليه.
آمل ألا يستنيم الصادق من النخب والنابه من الحكام إلى أنهم في منزلق خطير مآله المصير الأليم.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock